نشرت صحيفة “الكنار أنشيني” le canard enchainé الأسبوعية الفرنسية بتاريخ 8-3-1995 مقالا مفصلا عن “أسهم” les actions وأرباح المرشح الرئيسي لرئاسة الجمهورية السيد إدوار بالادور وعلاقة كل ذلك بالمنصب السياسي وما يمكن أن يسمى باستغلال النفوذ وتوظيف السلطة لمصالح شخصية مشبوهة وفي نفس اليوم كان بالادور ضيفا على قناة L.C.I التي يمتلكها مثل T F 1 أسرة آل بويغ… وردّ على الأسئلة المحرجة التي وجهت إليه في هذا الموضوع قائلا “لقد ربحت فائض قيمة plus-value قدره : 2456150 فرنك (حوالي 4 ملايين درهم) عن طريق بيع أرصدتي في شركةG.S.I. قبل وصولي إلى ما تنيون”. وقد اتهمته الصحيفة الساخرة بإنجاز عملية البيع خلال مدة وجوده في رئاسة الحكومة. وقد أكد الوزير الاول المرشح لرئاسة الجمهورية أنه سينشر رسميا اللائحة الكاملة لممتلكاته الخاصة، وأنه لا يملك سهما من الأسهم المتداولة محليا او عالميا في البورصات…
إلى هنا انتهى مجمل الخبر المتدوال بين المرشح المشهور والصحيفة الأشهر… وقد ساقتني قراءة الخبر ومشاهدة الحوار حوله في التلفزة إلى جملة قضايا وإشكاليات سارت بذكرها الركبان في وطننا العربي – الاسلامي منها :
1) هل يستطيع الحاكمون من أبناء “البعثة” إفساح المجال في بلادنا لصحافة بحث وتحقيق Presse d’investigation تشبه “الكنار أنشيني” وتضع أمور الاختلاسات والرشاوي وتحويل الوزارات والمناصب “السامية” إلى إقطاعات فردية وعائلية تتحول فيها الميزانيات والسيارات ومراكز الاصطياف الرسمية إلى ممتلكات خصوصية أو شبه خصوصية؟
2) هل بإمكان الصحافة “الديمقراطية” أن تستجوب الوزراء ومدراء الشركات العمومية وشبه العمومية عن عدد السيارات والخدّام والفيلات التي يملكونها… ومدى خضوع ذلك “لترشيد” النفقات، وميزانيات “التقشف” المفروضة دائما على المحرومين.
3) هل يُصرح أصحاب الوظائف الكبيرة الغالية العالية بممتلكاتهم الفردية والعائلية قبل دخول الوظيفة وعند مغادرتها… وهل يوجد من العباد مَن يقود البلاد إلى التطبيق الصحيح لمقولة علال الفاسي -رحمه الله- “من أين لك هذا؟” وهل هناك “فريق برلماني” له عمليا هذا الوعي الحضاري؟
4) لماذا يستورد أصحاب الرطانة الأعجمية كل مساوئ فرنسا ولا يستوردون محاسن يطول ذكرها مثل إمكانية التحقيق في مصادر ثراء هذا المسؤول أو ذاك، وحرية القضاء في تتبع أسباب الغنى الفاحش، واستقلال أجهزة الاعلام العمومية عن (المخزن)، وتبني الدولة لقضية البحث العلمي أكثر من أيّة جهة خصوصية، وتعميم المعلوم من الواقع بالضرورة مثل الاحصائيات الرسمية المتعلقة بمجمل السكان، وعدد العاطلين، والجرائم المختلفة وضحاياها، والرسوم البيانية للعلاقة بين الرواتب والتضخم المالي… الخ
5) وأخيراً لماذا لا تكون الانتخابات في بلاد العرب كما هي في فرنسا او “اسرائيل”، لا يتدخل فيها حاسوب ولا رجل كذوب ولا يمنع فيها حزب لأنه مسيحي، ديني أو لا ديني بل يفتح الرهان أمام جميع النصارى واليهود دون إقصاء لواحد منهم بهذه الذريعة أو تلك… أسئلة لا تجيب عنها كتلة من الكتل أو حزب من الاحزاب…
لقد سمت صحيفة Info – matin الوزير الاول المرشح باسم Homme d’actions بمعنى رجل الأسهم، وقالت عنه يومية Libèration (انظر الصحيفتين بتاريخ 9 – 3 – 1995) “لقد سقطت قيمة بالادور بسبب فائض القيمة” في بلاد العرب والبربر يحلم الناس ليل نهار بقضاء يستطيع متابعة المستكبرين كما يسحق المستضعفين وباعلام تلفزي يكون صدىً للتحقيقات القضائية النزيهة في شأن أموال الشعب ومصيرها… وكنا نتمنى أن يستورد “حزب فرنسا” -فيما يستورد- بعض هذه الممارسات الايجابية في الدمقراطية العلمانية “النموذجية” للجمهورية الخامسة، ولكن…
أبشر بطول سلامة يا مربع.
أحمد البدوي