المرأة في المجتمع كالقلب في الجسد، إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله فهي مربية الرجال، وصانعة الأجيال، ومدرسة الانسان، ومبدعة مستقبله في كل زمان وأتمنى ألا أكون مغاليا إذا قلت أنها نصف المجتمع وتحتضن النصف الآخر، فهي المجتمع كله، ولهذا الاعتبار فالمتتبع العادي للواقع الاجتماعي المغربي عامة، وللمدارس، والجامعات والمعاهد خاصة سوف لا يندهش للسرعة التي يتزايد بها عدد الملتزمات والمتعاطفات مع المد الاسلامي، إلا أنه من جهة أخرى سيلاحظ أن ما أنتجه العاملون في مجال “المسألة النسوية” يعتبر تكديساً واجترارا للمعلومات، وفي أحسن الأحوال يمكن اعتباره ترشيدا نظريا لحركة المرأة، لذلك حق علينا أن ننبه إلى عدة قضايا آملين أن تكون خطوطا عريضة تساهم في تطوير وبلورة هذا الموضوع وخروج به من النقاش الفكري المجرد إلى نقاش واقعي يساهم في حل المشاكل التي تعاني منها المرأة.
وبداية أقول لقد أصبتُ بكثير من التردد والحيرة لما أردت معالجة هذا الموضوع، نظرا لكونه في نظري أصبح من أخطر وأعقد الموضوعات التي تستحق عناية علمية فائقة، ذلك أنه من الخطإ أن نحصر القضية في ذات المرأة، بل الأمر يتعلق بأكثر من هذا، وهو ما يمكن أن نصطلح عليه >اضطراب الفكر الاسلامي< الذي عرف أزمة على مستوى الشكل والمضمون تمثلت في غياب منهج ومفاهيم اسلامية، أعطى غيابها خللا في البنية العقلية للانسان المسلم، فبدأنا نسمع بمصطلحات كثيرة، ومن بينها >أزمة المرأة< ولو دققنا النظر لوجدنا أن هذه الرؤية جد مختزلة في علاج هذا الموضوع، لأن معنى هذا ضمنيا إبراء ذمة الرجل، وتنزيهه كما أنه من حق المرأة أن تتساءل بدورها عن مكمن الأزمة، وتلقي اللوم على الرجل فتقول >أزمة الرجل< وبذلك يتحول المجتمع إلى حلبة مغلقة للصراع بين الرجل والمرأة وعليه ينبغي أن نعيد النظر في طريقة التحليل، وحتى إذا كانت هناك أزمة فيستحسن أن نسميها >أزمة الانسان< ذكرا كان أو أنثى.
وإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة فإن إعادة ترتيب العقل النسائي وفق سلم أولويات منهجية ترتقي بالانسان/المرأة من الدونية والتخلف إلى الرفعة والسمو، ومن خط الاستهلاك إلى خط الانتاج، ومن حضيض الهرم الاجتماعي إلى ضلعه لتلتقي مع الرجل في قمته لابد له من منظومة شرطية يأتي في مقدمتها تصحيح التصور النسائي وهي خطوة لا محيد عنها لتحرير عقل المرأة من سلطان العادة، الذي اصبحت له سلطة النصوص الشرعية، ثم بعد هذا لابد من تصحيح السلوكات على اعتبارها انعكاساً ومحكاً للأفكار والمفاهيم، ثم بعد هذا سنصل حتما إلى مرحلة هامة، وهي تصحيح التزام المرأة وارتباطها بالقيم التي تسير وفق قواعد علمية شرعية مستنبطة من النصوص الشرعية.. وهذا لن يتم إلا عن طريق ربط المرأة بالمصادر التربوية في الفكر الاسلامي مباشرة ودون وساطة، وهذا من شأنه أن يكون خطوة حكيمة في المنطلق والوسيلة والهدف.
إن المرأة المسلمة المعاصرة بقيمها المبدئية التي تحملها وتتمثلها نظرا وسلوكا استطاعت أن تقوم بدورها الاعلامي وتؤثر في محيطها الاجتماعي، وأن تحارب القيم المرضية الجرثومية التي أتى بها فكر التغريب، ورغم كل الحفر والحبائل التي يضعها الاعلام >المرتزق< والاقلام >المتسولة<، فإنه أصبح من المسلمات القول أن الصحوة الاسلامية مشروع مجتمعي بديل ومتميز يسعى إلى إيجاد إنسان رسالي واع بذاته، ومما تجدر الاشارة إليه أنه للحفاظ على الانسجام والتوازن داخل شبكة العلاقات الاجتماعية فإنه يلزم تحديد علاقة واضحة وشرعية تحكم سلوكات الانسان/المرأة في علاقاتها مع الانسان/الرجل وذلك لمنع التسيب من التسرب إلى الساحة الاسلامية، وتحديد هذه العلاقة لن يتم إلا عن طريق ربط هذه القضية بالفقه الاسلامي. لذلك فالمطلوب من الفقهاء الأجلاء والعاملين في حقل الدعوة الاسلامية إزالة الغبش ومحو الاسطورة والخرافة وتوضيح طبيعة الروابط المتينة والصحيحة التي تحكم سير المجتمع بعيدا عن التطرف إلى اليمين أو اليسار.
إن القضاء على الفوضى والعشوائية يقتضي بطبيعة الحال بناء علميا واقعيا يرفع من مستوى الانسان/المرأة الاخلاقي والاجتماعي، وإذا كانت المرأة تشكل خطا جماهيريا فإنه من الحماقة أن تبقى وضعيتها تفتقد إلى إطار تنظيمي خاص يضبط حركة سيرها في الواقع، ويؤهلها لتكون في مستوى الرسالة الحضارية العامة الملقاة على عاتقها، ثم إلى متى تبقى المرأة حبيسة الفكر الرجالي الذي تستهلكه صباح مساء؟ وإلى متى تبقى المرأة ضاربة الحصار على نفسها بعيدة كل البعد عن المبادرة والاقتحام والانفتاح المنضبط على الابداع في كل المجالات؟..
ويبقى وضع برامج بيداغوجية تربوية خاصة بالانسان/المرأة مرحلة متقدمة وناضجة بامكانها خلق اطار نظري متميز يضبط سلوكها ونشاطها الإجتماعي، وفق مصطلحات ذات عمق دلالي اسلامي تمكنها من القفز على أسوار الواقع وتحطيم أغلاله، ويعطيها الجرأة على نقد المفاهيم/العادة المحددة لسلوكها الخاص من جهة، ولطبيعة علاقتها مع أخيها الرجل من جهة أخرى، والانتقال بهذه العلاقة من علاقة تؤطرها التقاليد إلى علاقة مستمدة من الأصول الشرعية الصافية.
ولابد أن نشير إلى رأس الداء وسبب البلاء الذي يعرقل حركة المرأة في المجتمع، إنها ظاهرة الأمية، ولا أتحدث هنا عن الامية الثقافية أو السياسية، ولكن الأمر يتعلق بالأمية في أحط صورها، وهي أمية الكتابة والقراءة التي تقف جبلا وعرا أمام تنوير وعي المرأة الشيء الذي جعلها عاجزة عن تحديد موقعها ومكانتها الاجتماعية المواتية لطبيعتها التي خلقها الله عليها، وبالتالي ملء الثغر الذي يجب أن تقف فيه حتى لا يتسرب منه الخطر إلى دائرة المجتمع على اعتبار أن خلق التوازن النفسي والاجتماعي يقتضي من طرفي المعادلة أن يكون كل طرفٍ على طرفه : إن الواقع المتردي المنحط الذي وصلت إليه وضعية المرأة في العقود الأخيرة، ولا أقول على المستوى الشعبي فقط بل على مستوى الخط الرسمي المثقف أيضا والذي يعبر بصدق على دونية المرأة لهو دلالة واضحة على غياب رؤية انسانية للمرأة وهذا ناتج بطبيعة الحال عن غياب روح تربوية في برامج التعليم المؤسساتية، ولو استنطقنا وضعية المرأة لوجدناها تقول بلسان حالها أن صورتها في الواقع الاجتماعي أحط من صورة نظيراتها في الشعر الجاهلي فماذا تعني ملكة جمال حب الملوك، أو ملكة جمال بطاطا أو ملكة جمال التمر… إنها في الواقع صورة مسرحية ساقطة تجمع بين الضحك والبكاء، إنها مشهد كاريكاتوري يحمل الكثير من الدلالات والرموز التي تحتاج إلى تأمل ونظر.
وتبقى الواجهة الإعلامية وسيلة معبرة عن خطاب المرأة، ومدى قدرتها على استيعاب الواقع وفهمه وتفسيره، والمشاركة فيه والتعامل معه تعاملا يعبر عن مستواها الاجتماعي وعليه فالاعلام المتخصص من حيث وسائله وأطره بامكانه إذا كان في المستوى بطبيعة الحال تشكيل الرأي العام، أو التيار النسوي الذي يدور حول الحركة كما تريده لكن هذا وحده لا يكفي، لذلك لابد من إيجاد تصور هيكلي تنظيمي يكون الاعلام المتخصص آلة لها دورها التبليغي والاشعاعي الذي ينشد التطور الاجتماعي كما تنشده الحركة الاسلامية الراشدة ان شاء الله تعالى.
إنني عندما أثير هذه القضايا أريد أن أقول إن ما يعرفه العالم من تغيرات جذرية خاصة تلك المتعلقة بالقيم الثقافية والحضارية والتي أبانت عن افلاس قيم الحضارة الغربية المادية كان له بالغ الأثر في تجذير الإيمان لدى المرأة المسلمة، والاعتزاز بمبادئها، والذي تمثل في العودة إلى كل ماهو أصيل دون تردد أو شعور بنقص لكن ما يخشى هنا هو ألا تكون الحركة الاسلامية في مستوى وحجم التحديات الحضارية الكبرى وتبقى في إطار الكلام النظري المجرد عن الواقع الذي يتطلب التعامل بجدية وعلمية وهذا لن يتأتى إلا عن طريق خلق مؤسسات اجتماعية تضمن الحفاظ على الهوية الثقافية للانسان المسلم بصفة عامة، والمرأة التي هي موضوع نقاشنا بصفة خاصة وأخيراً أثير هذه التساؤلات والاستفهامات لعلها توقظ الضمائر الحية الواعية حتى تعلم فعلا أن للمرأة دورا تقوم به، وموقعا توجد فيه، وحركة توازي حركة الرجل وأنها تشكل مع الرجل وَجْهَيْنِ لعملة واحدة فحق لنا أن نتساءل :
كيف تشارك أم عطية عدة مرات مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته؟ وكيف تستقبل الخنساء استشهاد أبنائها الاربعة في غزوة واحدة بقولها (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم مسلمين)؟ كيف عجز أبو جهل عن استنطاق أسماء بنت أبي بكر لتدله على أبيها والرسول صلى الله عليه وسلم أثناء هجرتهما؟ وكيف كانت أم سلمى جريئة في طرح السؤال؟ وكيف كانت أمهات المؤمنين يتعاملن مع الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ومقابل هذا كله كيف عجزت المرأة المسلمة المعاصرة في كثير من المواقع استلهام قواعد المنهج الشرعي الذي يؤهلها لأداء رسالتها؟
وبما أن شفاء العي السؤال فهل من مجيب؟