المرأة نصف المجتمع ومن قائل هي المجتمع كله، نصفه نساء وعلى أيديهن يتربى النصف الآخر هذا ان دل على شيء فانما يدل على ما للمرأة من دور ومكانة في بناء المجتمع والسهر على سعادة أفراده، فهي التي تغمره حنانا وعطفا، وتزوده بالزاد الذي لا ينضب طيلة حياته، تلقنه أخلاقا وقيما تتحكم في توجيه مسار حياته والتأثير فيه. المرأة معمل لصناعة الرجال لهذا فأي تخلف تعرفه في مجال من المجالات تكون له انعكسات -منها المباشر وغير المباشر- لها بالغ الأثر، لذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لازال يوصينا -المسلمين- بالنساء خيراً، ويشدد في مسألة تربيتهن وتنشئتهن على أحسن حال. ويبين صلى الله عليه وسلم وهو يدرك تمام الإدراك أن المرأة لها الفضل الأكبر في تحسين حال بني البشر لو أدركت حقيقة وجودها وسعت للقيام برسالتها، لذلك فإنه يصح القول أن من أراد معرفة مستوى أمة من الأمم جدير به أن يطلع على أحوال نسائها ويتعرف على اهتمامات المرأة وتطلعاتها وعلى المنهج التربوي الموجه لها وكذا وجب عليه النظر إلى انشغالاتها. فإذا كان همها ينحصر في اقتناء ما جَدَّ من تجهيزات منزلية، ولبس أحدث ما أنتجته دور الأزياء والاستمتاع بأزهى التسريحات فعليها وعلى الامة السلام. أما إذا وجدها تنهمك في القيام بواجبها عن ادراك ووعي، مدركة دورها في هذه الحياة تخاف من ربها وله تعمل وبه تستعين ولذلك تتخذ الاسباب والوسائل الموصلة إلى ذلك فأعلم أن الامة مازالت بخير وأن ما أصابها من فتور لا يَعْدُ غَمَامَةَ صيف ما تبرح أن تزول إنما الجدير بالانتباه هو أنه من الأفيد قبل الترصد لحال المرأة معرفة نوع التربية والتعليم اللذين تلقتهما ومازالت هذه المرأة إن كان هنالك بالفعل تربية وتعليم وذلك لكون السياسة التربوية والتعليمية السائدة هي محور الرحى، عليها يحوم الكل. فالمجتمع المتقدم حقاً هو الذي تعمل هياكله التنظيمية الساهرة على تسييره على وضع خطة استراتيجية ترسم من خلالها الأهداف المتوخاة والوسائل الكفيلة بإسعاد أفراد المجتمع، لكن كل ذلك بالاعتماد على الطاقات الذاتية المتوفرة ومن ذلك تهيئ منهجٍ تربويٍ ثقافيٍ نسوي قادر على إعداد نسوة من المستوى الرفيع اللواتي يكرسن حياتهن للبناء والتشييد، ويجعلن أولى أولوياتهن العمل على صناعة الرجال العظماء القادرين على حمل أعباء الامة ورفع رايتها خفاقة. وبما أن التعليم أحد الوسائل الناجعة لمثل هذه المهمات فإنه لابد من تحضير برنامج تعليمي مرن -متجدد حسبما تقتضيه المصلحة العامة- محافظ على أصالة الأمة ومساير لركب التقدم الذي يعرفه العالم من تقدم تكنولوجي وثقافي وفكري وغيره إذا كان هذا مطلوباً فما موضع أجهزتنا التعليمية في العالم الاسلامي من هذا كله؟ الحقيقة مُرَّة للغاية فلو أخذنا المغرب نموذجا نجد أن كلمة تربية نسوية داخل الجهاز التعليمي شبه منعدمة، وحتى إن وجد خيال لها فبشكل ضئىل، فما هي إلا بعض الحصيصات النادرة في بعض الاعداديات على الصعيد الوطني، فمعدل الاعداديات التي تدرس فيها هذه الحصيصات لا يتجاوز إعدادية لكل إقليم أو عمالة، إضافة إلى بُعْدِ محتوى هذه الحصص عن روح التربية بما للكلمة من معنى، ولنأخذ على سبيل الاشارة الكتاب المدرسي المقرر لهذا الهدف “السنة التاسعة أساسي” نلاحظ أن معظم مواضيعه تتطرق للحمل والانجاب -هذا جيد- إنما التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح هل روعي في اختيار فقرات هذا الكتاب المرحلة العمرية التي تمر بها معظم الفتيات اللواتي هن في هذا المستوى؟ وهل تنحصر اهتمامات النساء في الحمل والانجاب فقط؟! هذا بالطبع بعيد عن الصواب. إنما الجدير بواضع هذا الكتيب أن يعالج مواضيع تساير وتناسب التحولات النفسية والفسيولوجية لهذه المرحلة من العمر وهي كثيرة من مثل إدراج مواضيع موجهة تجعل الفتاة تنمو مستقيمة متزنة لا يشوبها انحراف ولا فتور إلا أن العجيب أن تتوقف الحصص النسوية في الاعدادي وكأن بنات الثانوية في مستوى يغنيهن عن هذه التربية وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تهميش المرأة وما يهمها، إذ في تهميش القضايا الحيوية والجادة التي تخص المرأة تهميش لها ولا أدل على ذلك من الواقع الإعلامي والتعليمي في بلادنا فقد أمست جل التوجيهات التربوية والاعلامية مُملاةً من الغرب الصليبي، ولم تعد مؤسساتنا سوى أبواق لترويج سلعة وبضاعة بني صهيون، فليس من دعوة سوى الدعوة إلى تحديد النسل وإلى السفور والتبرج وإتيان الفاحشة جهرة، ومؤتمر القاهرة حول السكان خير دليل على ما أقول، إذ فيه دعوة صارخة وصريحة للفحش والاجهاض وترك الاخلاق والقيم الرفيعة. والحقيقة أنه لن يكتب لمجتمعنا التقدم ما لم تتغير السياسة التعليمية والاعلامية بالخصوص نحو العمل الباني المستقل المناهض لكل وصاية أجنبية لا تخدم الوطن وإن الرجوع لدعائم ملتنا وشرائع ديننا الحنيف هو الكفيل بصياغة تربية نسوية ملائمة وبالتالي إلى النصر المبين وصدق الله العظيم إذ يقول >إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم< محمد بالعربي.