عندما يشوى حمام السلام على نار أغصان الزيتون
حينما يكون الإسلام هدفا للعدوان، وهو دائما هدف له، فإن أعداء الله يتخذون لذلك الذرائع والمسوغات، وينفذون كيدهم ومكرهم تحت أغطية ومظلات، محاولين جاهدين أن لا يكون عدوانهم سبباً في استفاقة العملاق الإسلامي، أو استنهاض همم الشعوب المسلمة للدفاع عن دينها، وذلك بتجنب العدوان باسم الدين أو ضدا على الدين.. فإذا ما عزت الحيل ونفذت الذرائع وانعدمت المسوغات.. صارت مواجهة الدين الإسلامي مواجهة مكشوفة، تتواتر فصولها تباعاً، نهاراً جهاراً، بدون تحفظ أو تفسير.
فما لبث أن أضحى شرع الله، قاب قوسين أو أدنى، من رفع راية عدله وسماحته، في بعض الربوع الإسلامية، حتى تحركت جيوش الإلحاد والكفر، وفلول الشرك والوثنية، بالقتل والسجن والطرد والإبعاد، ومصادرة الأموال، وانتهاك الأعراض، واغتصاب العفيفات… لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة،… فنشروا الرعب، وزرعوا الخوف، وجعلوا أمام إشراقة الإسلام وفجر الأمن والسلام سحباً كثيفة داكنة من الكفر والجاهلية، حتى لا تستأنف هذه الأمة مهمتها في صنع التاريخ الإنساني على هدي الإسلام. وحتى لا يتسرب شعاع واحد بالنور والدفء والأمان، وأيضا، حتى تتبدد الآمال، وتتجدد الآلام…
أضحى شرع الله قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى أهله وأرضه، وأضحت مصالح الكفار في الديار الإسلامية على جرف هار.. فكان لابد لجيوش الظلام والوثنية أن تحمي مصالح الاستعمار.. فضربوا -ضربوا بقوة، وبطشوا جبارين، لم يرحموا أما ولا شيخا ولا صبيا، لم يراعوا رحما ولا عفافا ولا أعرافا، لم يبالوا بتدنيس بيوت الله وقتل فتية آمنوا بربهم على أعتابها، بل وبين سواريها وأسوارها.. لم يبالوا.. حتى إنهم تغوطوا فيها وبالوا..! ومسحوا أدبارهم وفروجهم بأوراق المصحف الشريف… وقد زنوا في المحراب! عليهم لعائن الله!
حدث ما حدث، ولكن، وفي المقابل حدث ما لم يكن في الحسبان -حينما لم يعد للمسلمين ما يخافون ضياعه، وقد ضاع كل شيء، حدث ما لم يكن في الحسبان- والذي حدث : هو تفجر الجهاد في سبيل الله -من جديد- ودوت صيحات : الله أكبر، يا خيل الله اركبي! فلا العسكر، ولا خبراء الغرب ولا نفط العرب، ولا فلول المنافقين، ولا الأحزاب الضرار، ولا حروب الإعلام… استطاعت أن تمنع ما وقع، أو أن تحد من هول ما جرى، أو أن ترجع بالأحداث القهقرى…
كل فرائض الإسلام كانت حاضرة، بشكل أو بآخر، كانت حاضرة، إلا فريضة الجهاد -وهاهي ذي عادت في موكب حور عين مقصورات في الخيام.. تفوح من ركابها ريح الجنة- عادت الفريضة الغائبة الحبيبة لتنتشل المستضعفين وتخلص المغلوبين من أوحال اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين… لقد أرادوا قتل هذه الأمة، فأحيوها من حيث لم يحتسبوا.
صحيح، إن المسلمين اليوم، في أنحاء العالم كله. يدفعون الثمن، ثمن وجودهم وشموخهم وشهادتهم على الناس… يدفعونه غالياً، ليرتفعوا عاليا، يدفعونه، حاليا أرواحاً ودماءاً، وجماجم وأشلاءاً -كما دفعه الأجداد بالأمس فسادوا وقادوا… وإذن سوف يسود المجاهدون ويقودون العالم طوعاً أو كرهاً، بإذن الله- لأنها النواميس التي لاتتخلف، وقدر الله الذي يجري كما أراد الله- >وإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغالِبُونَ<الصافات : 173]
ولَئِنْ بدا الطاغوت جباراً مغواراً -وقد أعجبته كثرته، أموالاً وأنصاراً فإن للمسلمين : الله- والله سبحانه وهو الرحمن الرحيم شاء أن يكون ثمن جنته ورضوانه ونصره وغفرانه ألوانا من البأساء والضراء إلى حدّ استعجال النصر القريب على نحو قوله سبحانه >أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلوا الجنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مثَلُ الذينَ خلوا منْ قَبْلِكُمْ مستهم البَأْساءُ والضَّرَاءُ وزُلْزِلوا، حتى يَقُولُ الرَّسُول والذين آمَنُوا معه، مَتَى نصرُ اللهِ ألا إن نَصْرَ اللهِ قَريبٌ<البقرة : 214]
أما وقد مس المؤمنين البأساء والضراء والزلزلة – فالبشارة، البشارة : >إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قريبٌ< وبعدها -إن شاء الله- لن تضيع أمة القرآن، أمة السنة… الأمة التي تقوم بعد قسوة الطريق وشظف العيش ومحنة الأيام.. أمة لا تضيع بسهولة، أمة هذه صفاتها- لا تقوم إلا لتدوم بإذن الله.
إن ما ينال بسهولة يترك بسهولة وإن ما بذلت في سبيله الأنفس والأرواح لا يضيع في أقراح و لا أفراح كيف وقد استرخصت في سبيله الحياة.
إن ما أصاب الشعوب المسلمة عربها وعجمها. بدوها وحضرها، لا يمكن أن يدخل إلا في إطار الابتلاء الإلهي جريا على السنن التي بها يتميز الغث والسمين ولقد بات اليوم الغث غثا، والسمين سمينا، الكافر كافرا، والمسلم مسلماً وبات الصراع أوضح من الوضوح بين راية الإسلام وراية الكفر وسقطت في الساحة دعاوى الكفار وفتاوى المنافقين.
وللذين لا يزالون يشكون ويشككون في سلامة تصورنا وتقييمنا، دون الحديث عن تصرفنا وتقويمنا.. نسوق مثالاً وفي الحقيقة نحن نذكر به، فقط، وإلا، فإن الذين ساقوه سوقا هم أعداء الإسلام ساقوه على صفحات الأيام تاريخا شاهدته الأعين وسمعته الآذان وردده الإعلام في أسماع الزمان.
إنه موقف الغرب الصليبي الديمقراطي، بزعامة أمريكا حيال الوضع السياسي في كل من “هايتي” و “الجزائر” وفي الحقيقة، فإنه بمجرد أن نذكر القضية الجزائرية والتي هي قضية الإسلام والمسلمين جميعاً، ونذكر “هايتي” والموقف الأمريكي من قضيتها، إلا ويُدرك الجميع طبيعة اللعبة التي تدور مع المصالح حيث دارت تلك المصالح مهما ديست في ساحتها المبادئ وتغيرت على أعتابها الثوابت…
في كل من “الجزائر” المسلمة و “هايتي” الكافرة، أجهضت العملية الانتخابية، وصودرت حرية الشعبين واختيارهما من طرف “البوليس والعسكر” فتلقت “الديمقراطية” هزيمة نكراء على يد الجنرالات، وكان لابد لأمريكا أن تعيد الاعتبار، لدينها المنهار “الديمقراطية” فتدخلت بالحديد والنار لإرجاع “الشرعية” في (هايتي) برد، الرئيس المنتخب تحت مظلة السيف والخنجر قسراً على العسكر وتدخلت في “الجزائر” بالدبلوماسية والسياسة والكياسة، لا لإرجاع “الديمقراطية”، ولكن لنصرة العسكر على رغم أنف الشعب ولو كان الثمن : “الديمقراطية” نفسها وإنه إذا كان لابد للغرب أن يختار بين “الديكتاتورية” والإسلام، فهو مع الدكتاتورية، ومع كل شيء، ومع أي أحد إلا الإسلام.
نعم! ضاعت “الشرعية” الدولية في الجزائر -والحمد لله- وضاعت الدكتاتورية العسكرية في “هايتي”، والحمد لله، ونجح شرع الله في الجزائر أحسن ما يكون النصر : >أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلُون بأنهم ظُلِموا وَإنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهم لَقَديرٌ<الحج : 38]
إنها معركة مصالح، كما قلت، وليست معركة مبادئ، مبادؤهم تحددها مصالحهم لكنا -نحن المسلمين- مصالحنا في مبادئنا، فهل يمكن التلاقي؟ وهل يمكن السلام؟ وجهتنا ووجهتهم ليست واحدة… دنيانا ليست دنياهم… وآخرتنا ليست آخرتهم… ومن هنا فإن أغصان الزيتون وأسراب الحمام -حمام السلام- لا تستهوي السابحين في أنهار الدم، القابعين تحت أنقاض جبال من الجماجم والعظام البشرية المسحوقة بالدبابات والمبيدات…. فلا زيتون ولا حمام… وإِلاْ أين غصن الزيتون في البوسنة والهرسك؟ وإلى أي مآل آل إليه سلام “الشجعان” في فلسطين؟ وفي لبنان؟ وأين حمام السلام في تجكستان وكشمير والشيشان؟ أين حقوق الإنسان وإعادة الأمل في الصومال وأفغانستان؟؟ أين “الديمقراطية” في الجزائر؟، أين وأين؟…
إنه سلام الصحافة والإعلام، وحمام التلفزيون، ونشرات الأخبار، أما في ساحة الإسلام، فإنها الحرب والدمار والقتل والحصار، وإنها مكائد ودسائس لا تبقي ولا تذر، “الأمريكان” في كل مكان، وسياسة التجويع والتجهيل، والتمزيق والتقزيم، وما هو مستور من مخططات الاستنزاف والاسترقاق… لا يجعل أحداً يثق في ابتسامة الليث الضاري، حيث لا يعدو الأمر أن كشر الوحش على أنيابه الموغلة في الهمجية والوحشية وصدق المتنبي
إذا رَأَيْتَ نيوب الليث بارزةً فلا تظنَّنَّ أن الليث يبتسم
أما حمام السلام فقد شواه الكفار والفجار على نار أغصان الزيتون، ولم تعد هناك سوى العقارب والأعقاب -جمع عُقابٍ- وويل لأعقاب -جمع عَقِبٍ- الجبناء من الثعابين والعقارب والأعقاب!!