الحركة الإسلامية في تونس من خلال تقرير “الناتو”


صدر عن الكتابة الدولية لمنظمة حلف شمال الأطلسي تقرير نُشر مؤخرا عن >صعود الإسلام الراديكالي ومستقبل الديموقراطية في شمال إفريقيا< حول وضع الحركة الإسلامية في كل من مصر والجزائر وتونس والمغرب، علما وأن التقرير يعتبر مصر من بلدان المغرب العربي قبل أن تعرب مصر نفسها عن رغبتها في الانضمام إلى هذه المجموعة في المدة الأخيرة. ننشر من هذا التقرير ما ورد فيه عن تونس :

ينبغي أن يُنظر إلى وضع الحركة الاسلامية في تونس ضمن سياق الرقابة المتشددة التي تمارسها السلطات على مجمل الحياة الاجتماعية والسياسية. ورغم الــ19 مقعدا التي خصصت رمزيا ولأول مرة للمعارضة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العشرين من مارس 1994 فإن حزب الرئيس بن علي (التجمع الدستوري الديموقراطي) مازال يمارس عمليا احتكارا كاملا للسلطة. فالبلاد تعيش تحترقابة بوليسية كاملة، ومنظمات حقوق الانسان مكممة الأفواه، والجامعات تعرف حصارا محكما، والصحافة المحلية والأجنبية تعاني من أصناف المتابعة ومقص الرقابة كلما اقتضت الضرورة، والمساجد تعيش تحت حراسة شديدة، والأصولية الإسلامية تتم مواجهتها بواسطة مشروع الإصلاح التربوي وتأسيس >سلام رسمي< تحت جناح وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى.

كان ميلاد الحركة الإسلامية التونسية التي تأسست على يد راشد الغنوشي -الذي يعيش الآن في المنفى في المملكة المتحدة- سنة 1979 على أرضية معتدلة تدعو إلى إعادة الاعتبار للإسلام كأساس للمجتمع والسلطة في تونس، وإلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وإلى نظام سياسي منفتح ومتعدد الأحزاب.

وبعد تعرضها إلى قمع وحشي من قبل نظام الرئيس بورقيبة منذ سنة 1981، شهدت الحركة مرحلة نهوض على إثر الإطاحة ببورقيبة من قبل بن علي في نوفمبر 1987. وعندها بدأت مرحلة من الليبرالية النسبية عبر إدخال نظام تعدد الأحزاب، غير أن تسامح السلطات ظل محدودا جدا. فالإسلاميون الذين انتظموا إذَّاك (1989) تحت راية حركة النهضة لم يتم الاعتراف بهم كحزب سياسي وبالتالي مُنعوا من المشاركة في الانتخابات البرلمانية بدعوى أن الجمع بين الدين والسياسة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الفوضى الاجتماعية. وقد أعطت المظاهرات التي أعقبت ذلك مبررا للسلطة كي تعتقل بعض العناصر  القيادية للحركة ترهب الآخرين، وكانت موجة القمع مابين نهاية 90 وصائفة 1992 وحشية جدا حيث تضاعفت حدة الإجراءات الانتقامية ضد الإسلاميين مع نهاية فيفري 1991 على إثر هجوم تعرض له الحزب الحاكم. وفي جولية -أوت 1992 أصدرت محاكم عسكرية أحكاما بالسجن مدى الحياة على46 مناضلا. وردا على الانتقادات التي توجه لبن علي في خصوص سياساته القمعية يقول بأن استراتيجيته الأمنية تؤتي أكلها أفضل من تراخيالمسؤولين الجزائريين. وبالفعل ليس هناك اضطرابات ظاهرة يقف وراءها الإسلاميون في تونس، إلا أن القيادات المعتدلة مثل راشد الغنوشي تواجه صعوبات شاقة في الحيلولة دون حدوث تفجرات من قبل العدد المتنامي لأنصارها من الراديكاليين الذين أعادوا تنظيمهم حاليا بشكل سري وفي إطار مجموعات متفرقة لم تعد أنشطتها تقع تحت مراقبة هذه القيادات.

إن النجاح النسبي الذي حققته السياسات المتبعة منذ الستينات في تطوير الاقتصاد والحد من التفاوت الإجتماعي ساعد فعلا في التخفيف من حدة الاحتجاج في الأحياء الأكثر فقرا والتي مثلت من جهة أخرى مواقع تنامي الحركة الإسلامية. غير أن تصلب النظام السياسي (الحالي) يمكن أن يصب في أيدي الإسلام المتشدد.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>