الإدانة المحتشمة لإرهاب الدولة خرج مؤتمر القمة السابع للدول الإسلامية بعدة توصيات وقرارات في غاية الأهمية والخطورة معا، وتحتاج كل توصية إلى قراءة متأنية لا يتسع المجال لها الآن ولكن مع ذلك لا يفوتنا الوقوف مع نقطة وردت في البيان للمؤتمر، وهي : >إدانة الإرهاب بجميع أشكاله بما في ذلك إرهاب الدولة< فيظهر من الصيغة التمريضية التي صيغت بها الإشارة إلى إرهاب الدولة >بما في ذلك إرهاب الدولة< أن الدولة بريئة في الحقيقة من الإرهاب، والإشارة إليها من باب ذر الرماد في العيون لتهدئة خواطر الشعوب بالإعتراف بأن الدولة قد ترتكب جريمة الإرهاب، ولكن لها ألف سبب وسبب يُجَوِّزُ لها ذلك، ويجعلها في حكم المضطر المطالب بمقتضى القانون والشرعية المحلية والدولية بأن يحمي القيم والأمن الضروريين لتحقيق سلام عادل] يعطي للأسياد كل ما يستحقونه من الأرض، والمقدسات، والثروات، والشعوب، والولاء التام، ليتفضلوا على المضطرين لإرهاب شعوبهم بالحماية، والمساندة، والتطبيل، والتزمير وكيل المديح الرخيص… حتى يقفوا سدا منيعا دون إرادة الشعوب التي تريد التغيير الجذري، بما في ذلك هياكل الاستبداد، ورموز التركيع والإذلال العسكريين لكن مع ذلك يُسَجَّل للمؤتمر السابع أنه كان شجاعا في الاعتراف بأن الدولة أيضا ترتكب تجاوزات، وحماقات، وسفاهات، لا يمكن إغماض العين عنها، إلا أن ذلك لم يكن -فيما يظهر- إحساسا بالذنب، وشعورا بجسامة المسؤولية وَوَخْزَ الضمير وإنما وقع ذلك تحت ضغط تمثله منظمة حقوق الإنسان العالمية من ضغوط على بعض الدول التي لم تستطع إخفاء (شمس) ظلام إرهابها بالغربال، لعلها تمنحها شهادة حسن السلوك، التي هي المعبر الوحيد للقروض، وجدولة الديون، وفتح الأسواق، وإعطاء الضوء الأخضر للسياح الذين يبيضون الذهب والعملات الصعبة، وللمستثمرين الذين يفدون بجيوب منتفخة لشراء الأراضي والمؤسسات الاقتصادية المكبلة للشعوب. وإذا كانت الدولة بريئة أو شبه بريئة من الإرهاب، وليست -كما هي في الحقيقة- هي صانعة الإرهاب، ومُوَلِّدَتَهُ، ومُفَرِّخَتَهُ.. الايحق للمرء أن يتساءل : * من صادرحق الشعوب الاسلامية في التعبير الحر لتغيير المناكر الكبرى التى يمارسها من ينجحون في الانتخابات بنسبة99.99%؟! * من منع الشعوب الاسلامية من الحق في تأسيس أحزاب معبرة عن هويتهم وتوجهاتهم على غرار ما يُمْنَحُ من الحقوق لدعاة الكفر والزندقة والالحاد؟! * من قام باغتيال الدعاة إلى الله تعالى بدون محاكمة، أو محاكمتهم محاكمة صورية ثم التعجيل بشنقهم؟ * من تآمر مع اليهود والنصارى في وثائق رسمية للإيقاع بالمسلمين المخلصين لدينهم، وتشويه سمعتهم، ومطاردتهم، وعزلهم عن وظائفهم، وتجويع أسرهم وعائلاتهم…؟ * من وقف سدا منيعا ضد توطين الديمقراطية التي ترفع شعاراتها وتنتهك مبادئها وأخلاقياتها؟ * من قام بانقلاب على ما أفرزته صناديق الاقتراع التي أظهرت بالملموس رغبات وإرادة الشعوب الإسلامية؟ * من يحاصر المصلين بالمساجد، ويعزل الأئمة التي اختارهم رواد المسجد، ويفرض عليهم أئمة يقرأون على المصلين الخطب كما تقرأ المناشير والمراسيم الحكومية؟؟ * من يتاجر بالدين الذين يجهرون بالحق أم الذين يُسَخِّرون المنبر لأغراض شخصية وحزبية بعيدة عن جوهر الدين وروحه؟؟ * من يقوم بتمشيط الأحياء، والمدن، والقرى، والجبال،…. بحثاً عمن يقول ربي الله، ويدعو لدين الله، وإرساء الحكم الديمقراطي، وإبعاد الحكم العسكري المشؤوم… الإرهابيون أم الدولة؟؟ * ومن يقتل نساء وأطفال المسلمين ويلصق التهمة بالبرآء لضرب عصفورين بحجر واحد : الانتقام، وتشويه السمعة؟! أسئلة كثيرة يطول سردها، ولكن لو تساءلها المؤتمر وتدارسها بعناية وصدق، لوجد أن الدولة هي صانعة الإرهاب، وللقضاء عليه بجدية، وحسم جذوره، كان على المؤتمر أن يتبنى قرارات أخرى على رأسها : 1- التعاهد التام أمام الله تعالى على تطبيق الإسلام بكل مبادئه التي لا ينتطح عليها عنزان 2- اطلاق الحرية للدعاة إلى الله، وتوفير كل الضروريات للقيام بهذا الواجب نيابة عن الأمة الإسلامية 3- إرجاع كل مطرود أو مسجون في سبيل الفكرة الإسلامية، وإكرام كل عائلة من عائلات الشهداء الذين مضوا في سبيل الله 4- إعانة كل المجاهدين في البوسنة والهرسك، والصومال، وابخازيا، والشيشان، وكشمير بالمال والسلاح، وإبراز الظلم الدولي الحاقِّ بهم. 5- الاعتراف التام بأنهم لا يملكون حق التنازل عن مقدسات المسلمين وأراضيهم، لأنهم بكل صراحة ليسوا مفوضين في هذا الشأن من قِبل شعوبهم، حتى لا يكون السلام مفروضا، والسلام المفروض هو قنبلة موقوتة الانفجار مهما طال الالتفاف عليها وتطويقها بالكثير من التزيينات الإعلامية، والبراقع الدعائية. يظهر أن المؤتمر كان فرصة لتدارس كيفية احكام القبضة الحديدية على المسلمين لفرض الأمر الواقع على الشعوب، رضيت أم أبت، من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط بدون اعتبار ولا تقدير لما ستتمخض عنه أرحام الشعوب، يوم يجد أبناؤها انفسهم مكبيلن من كل جهة بقيود مادية ومعنوية لم يرتضوها آنذاك ستضطر الشعوب إلى تغيير مسار تاريخها بعقلية المخدوع المستيقظ على حاضر مرير، وتاريخ أسود قاتم بالنكسات التي صنعها له قادته من بني جلدته. وتلك هي الطامة الكبرى التي يتذكر فيها المسؤولون ما جنوا على أنفسهم وشعوبهم، ولات حين مهرب من محاسبة التاريخ.