أناس كالفئران..بل هم أحقر!
إن من يتدبر حياة البشر ويحاول أن يكشف عن دقائق سلوكهم، قد ينتهي به مطاف البحث والموازنة إلى أن أوجها من الشبه كثيرة تجمع بين فئات من الناس، وبين بعض فصائل الحيوان. إنك لتجد على سبيل المثال، فئة شبيهة بالكلاب في بعض طباعها وخصائصها دون البعض الآخر، كسلوك الفسق وانعدام الحياء كما جاء في أحد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (آخر الزمان،.. الفاسق كالكلب…) وفئة تأصل فيها النزوع إلى تقليد الآخرين والنسبح على منوالهم ومحاكاتهم محاكاة تطمس على أبصارهم وتسد لديهم أي منفذ من منافذ التفكير الأصيل، وتشل فيهم الإحساس بالكرامة والتميز، وفئة شبيهة بفصيلة الحمير في قبولها للمهانة والإذلال وخضوعها لأي ابتذال. وفئة أشبه ما تكون بالفئران، وعند هذه الفئة أريد أن أقف وقفة متملية لبيان أوجه الشبه بينها وبين الفئران الأصيلة.
- إننا نعلم من معايشتنا للفئران منذ نعومة أظفارنا، أنها من فصائل الحيوانات الصغيرة التي يصدر منها أضرار كثيرة للإنسان فهي لا تتورع عن إتلاف أمتعته من أفرشة وكتب وأطعمة وغير ذلك من أشكال الأذى.. أقول هذا مع الوعي التام بأن كل ذلك لا يتنافى أبدا مع الحكمة التي تكمن من وراء خلقه تعالى لفصيلة الفئران، والتي قد يظهر بعض مظاهرها للإنسان ويخفى بعضها الآخر. فالله عز وجل لم يخلق شيئا عبثا في هذا الكون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.. كل شيء له حكمة وله وظيفة ضمن مجموع هذا النظام، البديع في صنعه، البديع في دقته وتكامله.
- ما أشبه كثيرا من الناس في مجتمعاتنا بالفئران، إنك لتراهم يفسدون بالليل والنهار ويتحينون الفرص من أجل السطو على أمتعة الآخرين وأرزاقهم واختلاس أموالهم، تماما كما تصنع الفئران. وكما تتصف الفئران بالبلادة وانغلاق الفهم تحت سلطان الرغبة في ترجمة النزوع والنوايا إلى سلوك عملي دون أدنى تفكير في العواقب، كذلك يفعل أشباه الفئران ولا فئران. إنك لترى الفرد من تلك الفئة حريصا على تحقيق رغبة في الاختلاس أو في إتلاف بعض ممتلكات الأمة، غير عابئ إطلاقا بما يمكن أن يتربص به من أخطار محدقة، وينتظره من عواقب وخيمة، تماما كما هو أمر الفأر وهو يتقدم بعينين مفتوحتين لا لتقام الطعمة المعتلية للفخ المنصوب بهدف تهشيم رأسه والتخلص من فساده. وإني لأعتذر لفصيلة الفئران الأصيلة عن هذه التسوية بينها وبين تلك الفئة المماثلة لها من فصيلة بني الإنسان لأنها تسوية لا تخلو من إجحاف على كل حال، ذلك أن الفئران الأصيلة تدلف من الأفخاخ دون سابق وعي وعلم، بما يتربص بها من عواقب، في حين أن الفئران البشرية تتقدم إلى الأفخاخ المنصوبة وهي على علم بوجودها، بشكل من الأشكال، وأنها إن أخطأتها مرات ومرات، فستقع في شراكها ولو بعد حين، وإذذاك ستكون الفضيحة ويكون الجزاء. غير أن تلك الفئة لفرط انسياقها وراء الشهوة الجامحة، تظل تستبعد ساعة السقوط في الفخ الى ان تقع فيه ولئن اخطأتها فخاخ الدنيا الفانية فما لها من فخ الآخرة من محيص، وهو أشد وطئاً وأشد تنكيلا.
وهناك فرق آخر يتمثل في أن الفئران مرخص لها من عنده تعالى أن تمارس ما تمارسه من اختلاس ضمانا لقوتها ووجودها، وبما يسمح لها أن تؤدي وظيفتها على أحسن وجه. أما الإنسان فإنه منهي من قبل الحق عز وجل أن يمد يده إلى ما لا يحل له من أمتعة الناس ومن الأموال العامة التي يُعتبر المساس بها جريمة كبرى وخيانة عظمى، خليق أصحابها بأن توقع عليهم أغلظ العقوبات وأشدها، لأن إعفاءهم من العقاب، فتح لباب الفساد وإيذان بخراب المجتمع وانهدام بنيانه، وانهياره الشامل ولو بعد حين.
ذ. عبد المجيد بنمسعود