هل أصبحت “الأصولية” سرطانا؟!
نقلت جريدة >القدس< عن الصحيفة الاسرائيلية >هارتس< مقالا لا براهام طل جاء فيه :
>لا يوجد مجال لإجراء محادثات مع أي ذراع من أذرع الحركة الاسلامية، لأنها تفتقد لأي منطق براغماتي، أوعلماني، أوإنساني،.. ولن يغير من هذا الواقع شيء، سواء المبادرات الحسنة التي تستهدف الصلح، أو الرد العنيف الذي يستهدف الردع، ذلك أن التعصب الأصولي غير قابل للمرونة والتساهل، بل يسعى لتحقيق هدفه بدون أي حل وسط. ما الذي يعزينا ازاء هذا السرطان الخطير؟؟ إنه يهددنا بالامتداد والسيطرة على الدول المجاورة والقريبة والبعيدة، بما في ذلك مصر، والأردن ومراكش والجزائر، وتونس، وتركيا، وسوريا (التي بتر حكامها دابرهم بشكل دموي) ولبنان، والفلسطين كذلك. للجميع عدوٌّ حقيقي واحد، ومن مصلحتهم المشتركة سبيل آخر لاندماج اسرائيل في المنطقة، بالانضمام لجامعة مضادة لهذا السرطان< ع1684.
إن هذه الفقرة من المقال تعتبر وثيقة مهمة كغيرها من الرثائق التي يتضح منها الفكر الذي يحْكُم النظرة اليهودية للمسلمين المتشبتين بهويتهم ورسالتهم فهم لا يترددون في الدعوة لاستئصالهم، ومحوهم من الوجود، بعد أن فعلوا كل ما قدروا عليه، من النسف للبيوت والمنازل، والطرد والتشريد، والسجن والاستلاء على أراضيهم ومقدساتهم بدون وجه حق.
هذا الفكر ليس غريبا، ولا جديدا فقد أخبرنا الله تعالى بما يبيتونه من مكر للمسلمين في أكثر من آية، وفي أكثر من موضع ومناسبة، ليكون المسلمون على حذر مما يبيتون ويمكرون، مهما أحسن المسلمون إليهم، ومهما تنازلوا لهم، ومهما أظهروا لهم من الود، والتقارب، والتصالح…. لأن الفكر الهَيْمَنِيَّ والتَّوَسُّعِيَّ لا يُقنعه التقاسم والتعايش مع غيره في أجواء الحرية والكرامة والعدالة التي هي من حق كل انسان في الوجود…. وإنما يقنعه ابتلاع كل شيء، واخضاع كل شيء لإرادته وهيمنته تلك سنة الله في هذا الصنف البشري المُؤَلِّهِ لِهَوَاهُ، ولن تجد لسنة الله تبديلا >أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وََفَرِيقاً تَقْتُلُون< سورة البقرة 86
ولكن الغريب حقا هو هذا التخويف للدول الاسلامية من المسلمين كأنهم خطر أجنبي وافد من بلاد غريبة، يهددهم بدين جديد لا عهد لهم به
والجديد حقا -أيضا- هو هذا الاستعداء السافر لاقتلاع جذور المسلمين، بل والترغيب -بكل جرأة- لحكام المسلمين بأن يتعاونوا معهم على انجاز هذه المهمة >مهمة قتل أخيك وإحلال ظالمه مكانه<
منطق غريب حقا يُبيح لنفسه التدخل في شؤون الغير، وإملاء الشروط عليه، وتعريفه بالعدو الحقيقي، وكيفية التعامل مع هذا العدو، لتحقيق المصلحة المشتركة التي لا يمكن أن تتحقق إلا على قطع الرقاب، ونتر الجماجم….. إنه منطق العاجزين الذين يظنون أن حل المشاكل له طريق واحد، هو القضاء على الخصم وتصفيته جسديا، ولا يدرون أنهم بهذا المنطق يزرعون بذور ما يسمونه -ظلما- بالإرهاب، الذي لا يعدو -في الحقيقة- الدفاع عن النفس أمام هذا الفكر الدموي المتلذد بتناثر الأشلاء، وسفك دم الأبرياء من الشيوخ والأطفال والنساء.
فهل صاحب هذا الفكر ينطلق من فراغ في اقتراح هذا المنطق الغريب؟ كلا. إنه ينطلق من الواقع الغثائي الذي تعيشه الشعوب الإسلامية، حيث انهارت لدى ساستها كل معاني العزة الإيمانية، وأصبح الكل يتسابق لرفع راية الخضوع والاستسلام، بدون إعطاء فرصة حقيقية لهذه الشعوب كي تقول كلمتها في تقرير مصيرها، وتحويل مجرى تاريخها. إنه زمان السلم الذي يتقاضى فيه السَّاسَةُ أجُورَهُمْ هِبَاتٍ وَمِنْحاً لِلْجَوَائِزِ المَحَلِّيِّةِ والْعَالَمِيَّةِ، وَإِغْرَاقا بالديون المُكَبِّلَة للطاقات، وتدريباً على ملاحقة >المتطرفين< واستئصالهم، لإكمال الطَّوْقِ الذي يُرَادُ فرضه على الأمة الإسلامية، وجعلها مُجَرَّدَ قَطِيعٍ في زَرِيبَةِ الرُّعَاةِ العبَاقِرة، الذين يحسنون : الحَلْبَ، والجَزَّ، والذَّبْحَ، والسَّلْخَ، والتقطيعَ، والتَّفْصيلَ على قدر الحاجة.
فهل سيجد هذا الاستعداد السافر الآذان الصاغية من قِبل الساسة والحكام، ليكونوا العُمْقَ الاسْتراتيجيَّ، لأطماع هذا الفكر الصهيوني الحاقد، يَحْمُونَهُ، ويَضْرِبُونَ الأصوليين بالنيابة عنه؟؟ ذلك ما يؤمله الكاتب، وذلك ما تخطط له كل القوى المعادية للإسلام والمسلمين. إلا أننا لنا أمل قوي في الله تعالى ألا تنجح هذه المخططات بفضل الوعي المتبادل، وبفضل الشعور بالحاجة لإثبات الذات، وبفضل تألق أنوارالصحوة الإيمانية، وانتشار أشعتها الجهادية في كل مكان، وأولا وأخيرا بفضل الله تعالى الذي أطلعنا على ما تُكِنُّهُ صدور الأعداء من حقد دفين لهذا الدين، وحَمَلَتِهِ، فقال عزمن قائل >قد بَدَتِ البَغْْضَاءُ مِنَ اَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ< سورة آل عمران 118.