مؤتمر الدار البيضاء : أي تنمية وأي سلام!؟


مؤتمر الدار البيضاء : أي تنمية وأي سلام!؟

تم افتتاح أشغال المؤتمر الاقتصادي لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا يوم 30/10/1994 ويتم خلاله التحضير لتنفيذ التطبيع الاقتصادي ضمن أشكال مؤسسية يتم التصديق عليها في المؤتمر المنعقد بين 30 أكتوبر و1 نونبر 1994 وذلك في موضوع التنمية الاقتصادية بالشرق الأوسط وشمال افريقيا، و تحت رعاية مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي والمنتدى الاقتصادي الدولي، وتشارك فيه حوالي 60 دولة بوفود رسمية، باستثناء ست (6) دول عربية واسلامية اعلنت عن مقاطعتها له وهي ليبيا والسودان واليمن والعراق والجزائر وإيران – فما هي ظروف المؤتمر وما هي أبعاده؟

الظروف العامة للوضع العربي :

من الملاحظات الجديرة بالذكر أن الطرف العربي حضر المؤتمر بدون خطة موحدة وبدون استراتيجية مشتركة : وذلك في مؤتمر اقتصادي ببلادنا ولأول مرة بحضور دولة إسرائيل، إنه متغير جديد لابد من الوقوف عنده. ويذكرني هذا الحال بما قرأته في عدد من أعداد مجلة العربي وبالتحديد : في العدد 323/ أكتوبر1985/ الصفحة 17 في مقال (التحدي العلمي الاسرائيلي للقارة العربية) للدكتور عبد المنعم عبيد. وهو كما يلي (وقد حدث في الستينات في مؤتمر في إيطاليا لفرع من فروع الطب أن كان الوفد الاسرائيلي ثلاثة أطباء تقدموا بخمسة بحوث وبلغ حجم وفد إحدى الدول العربية أربعين فرداً لم يقدموا بحثاً واحداً) وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى العمق الذي وصل إليه التخلف في واقعنا وبلداننا فحتى الهيئة والإطار الذي يمكن أن يلعب دور الموحد للدول العربية أعني جامعة الدول العربية، لم تظهر كفعل وإرادة، وظلت جهازا غائبا كما هو الشأن في مناسبات عديدة سابقة لقد أصبحت إطارا فارغا لا يتعدى وجوده البناية والاسم، وبطبيعة الحال لا ننتظر من هذا الوضع إلا أن يحضر كل قطر عربي المؤتمر بوجهة نظر خاصة تتمحور فقط حول المصالح القطرية ولا تلقي بالا للمصالح العربية.

إن هذا الوضع يعكس الحالة العامة للواقع العربي، هذا الواقع الذي كان مسرحاً لمؤتمرات وقمم، كان من أهدافها : تصفية الصراع العربي الاسرائيلي مع تصفية القضية الفلسطينية من خلال تطبيق مشروع الحكم الذاتي.

لقد جاء المؤتمر في ظروف ، هذه أهم أجوائها:

- تجميد مصر بواسطة اتفاقية كامب ديفيد (1978)

- تجميد العراق بواسطة حرب الخليج 1991 والحصار

- انفجار الجامعة العربية إلى كتل متصارعة بعد الحرب.

- تجرد الفلسطينيين والعرب من القوة التي تحميهم وتقوي موقفهم في مقابل اسرائيل التي تتلقى الدعم الامريكي.

كل هذه المعطيات توضح إلى اي مدى سيصل إليه مشروع التطبيع الاقتصادي، فميزان القوى غير متساو، وطرفا المؤتمر غير متكافئين مما يعني أن مشروع السوق الشرق الأوسطية -مثلها مثل النظام الدولي الجديد- سينشأ بناء على هزيمة أطراف وانتصار أخرى، فهل بقي مجال بعد هذا كله للتحدث عن سلام شامل وتنمية عربية؟!

الأبعاد الكبرى للمشروع الإقتصادي

جاء المؤتمر بعد سلسلة من التطبيعات التي قامت بها إسرائيل سواء مع مصر أو فلسطين أو الأردن علاوة على تبادل بعض البلدان العربية لمكاتب تمثيلية بينها وبين إسرائيل منها مصر والمغرب وتونس. وهذا ماجعل البعض يقول بان اسرائيل ستكون المستفيد الأول من هذا اللقاء الإقتصادي وذهب آخرون إلى أن الإستفادة ستكون مشتركة بين إسرائيل والدول العربية لكن فيما يبدو ومن خلال واقع الوضع العربي في كل جوانبه ليس من الصعب تصور من سيكون المستفيد الأكبر من مشروع التطبيع خصوصا إذا علمنا أن ما يميز الأسواق العربية من الشرق إلى الغرب هو كونها بنية استهلاكية جماهيرية. وهذا ما يعيه حق الوعي الطرف الإسرائيلي، لقد سبق وأن توقع رئيس اتحاد الصناعات الإسرائيلية تشكيل كتلة اقتصادية شرق أوسطية بها 200 مليون مستهلك عربي تكون إسرائيل مركز عمل طبيعي لهم.

إن الاستنتاج الذي يمكن الخروج به فيما يخص العلاقات العربية الإسرائيلية اقتصاديا هو عدم التكافؤ بين “إسرائيل” والأقطار العربية مما سيجعل الأخيرة مجرد أسواق وحقول متخلفة تحقق حلم إسرائيل في نهضة اقتصادية كبرى، وهكذا سيتم اختراق الآمة العربية وتحقيق مخططات التطبيع والتعاون الاقتصادي الإقليمي في أفق صياغة هوية شرق أوسطية جديدة للمنطقة بديلة وذلك بهدف إلغاء كل المشروعات الوحدوية.

أما فيما يخص موضوع السلام فإننا نقول بأن السلام ضروري لتنصرف الشعوب : شعوب المنطقة للتنمية والتعمير والإستقرار، ولن يتم ذلك إلا بتحقق الشروط ووجود الأسباب وانتفاء الموانع وإلا فما معنى السلام في ظل احتلال إسرائيل لفلسطين والجولان وجنوب لبنان.

 

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>