ضوابط العمل الإسلامي الحلقة الرابعة الضابط الثاني


ضوابط العمل الإسلامي

الحلقة الرابعة

الضابط الثاني

2-الاخلاص

أول ما يشترط في المنتسب لحقل الدعوة والمتولي لارشاد الناس الى طريق الخير والحق : الاخلاص لله وحده والتجرد للحق، ومجاهدة النفس حتى تتحرر من اتباع هواها، أو أهواء غيرها. ذلك أن الله لا يقبل من الأعمال الا خالصها.اخرج البيهقي في سننه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : >اذا كان يوم القيامة جيء بالدنيا، فيميز منها ما كان لله. وما كان لغير الله رمي به في نار جهنم< ومجرد اخلاص الأعمال لله كاف لينال المخلص الاجرالعظيم والثواب الجزيل عند الله. ولو لم توت تلك الأعمال ثمارها المرجوة منها في الدنيا، بل ولو لم يتمكن من القيام بتلك الأعمال التي رغب في القيام بها وأدائها.

حدث في غزوة >العسرة< ان تقدم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال يريدون أن يقاتلوا الكفار معه، وان يجودوا بانفسهم في سبيل الله، غير ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستطع تجنيدهم، فعادوا وفي حلوقهم غصة، لتخلفهم عن الميدان فنزل فيهم قول الله تبارك وتعالى : >ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون<(التوبة 92). وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للجيش السائر الى الغزوة : >ان اقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا الا وهم معنا حبسهم العذر<(اخرجه البخاري) اذن فالاخلاص والنية الصادقة سجلت لهم ثواب المجاهدين، وان كانوا لم يجاهدوا لانهم قعدوا راغمين. وفي الاثر : >اخلص النية يكفيك العمل القليل<(اخرجه الحاكم).

وعلى العكس من ذلك فقد تجد اقواما يجهدون انفسهم بالأسفار ويواصلون الاعمال ليل نهار، وربما لا يعرفون للراحة مذاقا. لكن قلوبهم فارغة من الله أو متعلقة بهدف او مصلحة دنيئة أو مكسب وربح بسيط، لا يجنون وراءه إلا التعب والعناء. إن القلب المقفر من الإخلاص لا ينبت قبولا ولا ثوابا. كالحجر المكسو بالتراب لا يخرج زرعا ولا ينبت كلأً.

والإخلاص في سلوك طريق الدعوة صمام أمان لها، يقيها من الأخطار والمزالق، ويحفظها من الوقوع في مسارب الإحتواء أو الهيمنة او المحاربة، فعلى أهلها ان يجردوا انفسهم عن الاهواء ويختبروا من يلتحق بهم ويندس في صفوفها ممن فاتهم من حظوظ الدنيا مايكسبهم الوجاهة المنشودة، فاندسوا في ميدان الدعوة علهم يحصلون على العوض الذي فقدوه في مجرى الحياة. وبالتالي يتحول بهم الميدان الطاهر الى مضمار يتهارش فيه فرسان الكلام، وطلاب الظهور وعشاق الرياسة فيخسرون وتخسر معهم الدعوة، من هنا حرصت التربية الاسلامية القرآنية النبوية على تكوين الانسان المؤمن الذي يجعل غايته رضا الخالق، لا ثناء الخلق، وسعادة الآخرة لا منفعة الدنيا وايثار ما عند الله على ماعند الناس: > ماعندكم ينفدُ وماعند اللهِ باقٍ<(النحل 96).

وان مما اصيبت به الدعوة الاسلامية ولوج العديد من اصحاب الاغراض او الاهواء او الفهم السقيم والافق الضيق في صفها، فاخلصوا للتنظيم بدل ان يخلصوا لله، وقدسوا الشعارات وآراء الرجال بدل تقديس الحق ومبادئه، وانقادوا للزعامات والشخصيات، بدل الانقياد للصواب والرشد، مع العلم ان هذا السلوك لايغني في ميزان الله شيئا، ولايفيد الدعوة في شيء ان لم يضرها.

وحتى يسلم المنتمون الى صف الدعوة من هذه الآفات يجب ان يتنبهوا الى مجموعة من الاخلاقيات منها:

أ – النظر الى القول لا الى قائله، فالحق ليس مقصورا على زعيم او جماعة او كتلة ما. وانما الحق مجرد عن كل الروابط، ويصيبه المؤهلون له علما وعملا.

ب – الجرأة والشجاعة الذاتية على نقد الذات، وتعريفها بأخطائها ان كانت، ومحاولة الزامها بالصواب.

جـ – الترحيب بالنقد من  الآخرين ولو كانوا مخالفين له في الرؤية والتصور، وطلب النصح ممن هم اهل له.

د – الاستفادة مما عند الآخر، ولو كان مخالفا له في التصور والراي.

هـ – الثناء على المخالف في مااحسن فيه، والدفاع عنه اذا اتهم بالباطل.

و – احسان الظن بالغير، وقبول العذر، بل والبحث عن محمل للخير تفسر به اعماله وتصرفاته.

ز – ترك الطعن والتجريح للمخالف، وان كان مخطئا، في نظر مخالفه عملا بقول الامام ابي حنيفة رضي الله عنه > رأيي صواب يحتمل الخطإ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب <.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>