ضوابط
العمل
الاسلامي (1)
لقد مر حال المسلمين منذ عهد النبي >ص< الى العهد المعاصر بمراحل تتردد بين التفوق والازدهار وبين الضعف والتشتت الى ان برزت المرحلة الاخيرة التي نهض فيها المسلمون من الغفوة والسِّنة التي عمرت سنين عددا ليمحوا ما شاع من باطل اثناء تلك السِّنَةِ التي ايقظهم منها ذلك المبدأ السامي النازل من عند رب العزة >المبدأ الاسلامي< الذي يحمل في احشائه أسس البناءوقواعد الانطلاق ومقومات السير وضمانات الحق والصواب.
ذلك ان مبادئ الاسلام ومنهاجه القويم وحضارته الانسانية عاش مرحلة ازدهاره ورقيه في عهد النبي >ص< والخلفاء الراشدين ثم الدولة الاموية والعباسية وما عاصرهما من دول وامارات في مختلف مناطق العالم الاسلامي بالنظر الى المجتمع الاسلامي ككل بجميع شرائحه الاجتماعية ومعطياته الحضارية المتميزة دون الالتفات إلى بعض الحكام وبلاطاتهم وما كان يتخللها من مظاهر الانحلال والفساد، بل والمروق عن الدين أحيانا. بحيث إذا أمعنا النظر في المسار التاريخي للفكر والحضارة والالتزام السلوكي لأغلب شرائح المجتمع الاسلامي على مدى تاريخه، فسنجدها تسير في خط تصاعدي منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سقوط بغداد في يد التتار ثم سقوط الاندلس في يد الصليبيين وإن كان هذا التصاعد لم يسر على نفس الرتم الذي بدأ به. وإنما بدأ تسرب أسباب الضعف إلى الجسم الاسلامي عقب الخلافة الراشدة، وما زال يندس وينخر إلى أن كاد يقضى على هذا الجسم نهائيا. لولا امتلاكه للقوة الفارهة التي تدفع المكروبات، وتقضي على الفطريات التي تَعْلَقُ به أحيانا، بحيث لو قارنا عمر المجتمع الاسلامي وثباته أمام الهجومات والأمراض الفتاكة التي مني بها وحفاظه على البقاء مع غيره من المجتمعات الاخرى فلا يسعنا إلا التسليم بما يحمله هذا المجتمع من مبادئ قوية، وما يتوفر عليه من مناعات تحميه من أخطر وأفتك الامراض التي أصابت وما زالت تصيب مجتمعات أخرى فلا تستطيع الصمود أمامها وخير مثال معاصر ما عانته الشيوعية في روسيا من انهيار صاروخي ما كان متوقعا بهذا الحجم رغم أنها ما تزال في عنفوان شبابها، وأوج قوتها.
ويرجع المفكر الاسلامي >محمد قطب< أسباب هذا الضعف الذي يعاني منه العالم الاسلامي إلى أربعة أسباب رئيسية هي :
1- انتشار الفكر الارجائي في المجتمع الاسلامي الذي يجعل من الايمان مجرد تصديق وإقرار بوحدانية الله مجردا العمل الصالح من مسمى الايمان قائلا : >لا يضر مع الايمان معصية< بحيث يطمع العبد في دخول الجنة واستحقاق الثواب ولو لم يعمل عملا واحدا من اعمال الاسلام ما دام يقر بوحدانية الله.
2- شيوع الفكر الصوفي الذي اندس من جملة ما اندس الى الفكر الاسلامي من التأثيرات الخارجية والذي يطمع العبد في القرب من الله ودخول الجنة بممارسة مجموعة من الاوراد والاذكار والتسابيح ولو اهمل كل الاعمال المطلوبة منه في واقع الارض من عمارة او جهاد او امر بالمعروف ونهي عن المنكر.
3- ظهور الاستبداد السياسي الذي عمل جادا على صرف الناس عن محاسبة الامراء وايقافهم عن تماديهم ان ارتكبوا ما يضر بالامة وحصر الناس في المفهوم الضيق للاسلام الذي ينحصرفي اداء الشعائر التعبدية حتى يخلو لهم الجو للعبث احيانا بمصير الامة.
4- ظهور البدع وتفشي المعاصي خصوصا في اوساط مخصوصة من المجتمع الاسلامي واخراج الاعمال من مقتضى الايمان واخراج الاخلاق من مقتضى العبادات وانشغال الناس بالكرامات والخوارق لعجزهم عن مواجهة الواقع بالجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد ظهرت هذه الاورام في الجسم الاسلامي بسيطة ولم تحدث اية أعراض خطيرة يمكن ان تلفت النظر لكنها نمت وترعرعت مع مرور الزمن حتى أوصلت المسلمين في ما بعد القرن السابع الهجري الى حد من الضعف على جميع المستويات العلمية والفكرية والعملية والاقتصادية والجهادية.. اطمع فيهم عدوهم بعد ان كان لا يحلم برفع الرأس أمامهم وقد استغل الاعداء هذه الفرصة فانقضوا على العالم الاسلامي وسيطروا عليه في جميع مجالات الحياة بل وأقنع العالم الاسلامي أن لا مخرج له مما هو فيه الا بسلوك نهج الفكر العلماني وتقليد القوي علميا واقتصاديا وحربيا ولو كان خصما لذوذا وهكذا استمر حال العالم الاسلامي منذ القرن السابع الهجري الى أن مني بالهجمة الاستعمارية الصليبية التي مزقته شر ممزق والتي جعلته يبحث عن نفسه وينقب عن مقوماته ومبادئه بعدما غزته مبادئ ومفاهيم غريبة عنه تركت آثارا سلبية في جميع ميادين الحياة ومجالاتها الشيء الذي مثل السبب المباشر لقيام ما عرف بالحركة الاصلاحية ثم تطورت الى ما اصطلح بالحركة الاسلامية أو الصحوة الاسلامية أو الدعوة الاسلامية أو العمل الاسلامي الى غير ذلك من التسميات والمصطلحات التي تحمل دلالات ايجابية احيانا وسلبية احيانا اخرى الشيء الذي يلزمنا بتحديد المصطلح المناسب لهذه العملية المباركة التي هيأها الله كمنقذ لهذه الأمة من المنزلقات والمخدرات المهددة بالسقوط فيها وأبعاد المصطلحات المنفرة السلبية التي غالبا ما يطلقها خصوم الحركة الاسلامية على المنتمين اليها للتقليل من شأنها بل وتشويهها ثم تنفير المجتمع منها حتى لا تنال تلك الشعبية المطلوب توفرها والقاعدة التي تدفعها وتعطيها تلك الدفعة والنفس الطويل الذي يضمن حياتها واستمرارها وحتى توتي هذه الحركة أكلها ولا تسقط في الحبال والشراك التي ينصبها لها أعداؤها لزم أن تنهج نهجا سليما في السير قدما نحو هدفها .
في الحلقة المقبلة ضبط المصطلح