القضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني: جذور وآفاق مستقبلية 1/2ّ


القضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني:

جذور وآفاق مستقبلية  1/2ّ

في إطار الأنشطة الثقافية الإشعاعية التي تنظمها جمعية النبراس الثقافية وعلى هامش الملتقى الدولي الأول للأدب الإسلامي الذي انعقد بمدينة وجدة أيام 7-8-9 شتنبر 94 في موضوع “رسالة الأدب والشهود الحضاري” والذي نظمته مجلة المشكاة التي يرأس تحريرها الدكتور حسن الأمراني، على هامش هذا الملتقى ألقى الأستاذ ياسر الزعاترة رئيس تحرير مجلة “فلسطين المسلمة” محاضرة فيما يلي نصها :

لقد آن أن يتوقف الحديث عن القضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني على اعتبار أن ثمة شعب عربي مسلم احتلت أرضه وشرد من وطنه وعلى الأمة العربية والإسلامية أن تناصره في نضاله العادل لاستعادة أرضه.

نعم آن أن تتوقف هذه اللغة في الحديث عن القضية الفلسطينية لأن معنى هذا الطرح هو أن تخلع الأمة عباءة المواجهة مع المشروع الصهيوني وتعلن الصرخة التي أعلنها حكامها >نقبل بما يقبل به الفلسطينيون< والفلسطينيون قبلوا تقزيم أحلامهم أوقبل حكامهم ذلك، قبلوا تقزيم أحلامهم إلى حد العيش في محمية تحت الاحتلال، وقبل بعضهم أن يتحولوا إلى سماسرة له.

لقد آن أن نعيد المسألة إلى جذورها الفكرية الأساسية حتى لا تضيع المواجهة وتستسلم الأمة للزمن الصهيوني، ما دام الفلسطينيون قد استسلموا.

إنني كفلسطيني أناشدكم أن تتوقفوا لحظة عن التعاطف معي باعتباري منفيا عن وطني، وتتحولوا بأبصاركم إلى ما هو أكبر، فقضيتي الآن هي قضيتكم، فقد كان الفلسطينيون المخلصون منذ البداية عربيون، اسلاميون، وهم الآن يريدون أن تكون القضية قضية الأمة.

الاحتلال الصهيوني، يختلف كثيرا عن احتلال البيض لجنوب إفريقيا، فالبيض هناك مجرد محتلين، يأخذون الأرض، ويستعبدون أصحابها، ولكن الوضع في الحالة الفلسطينية يختلف، إذ ثمة ممثلون كانوا أداة لاستعمار غربي يستهدف الأمة جمعاء، وهم الآن يرثون أهداف ذلك الاستعمار ليكون لهم مشروعهم الاستعماري الخاص، الذي لا يريد فلسطين فحسب وإنما يريد الشرق الأوسط برمته.

لذلك، دعونا نعود للبدايات، بدايات هذا المشروع وكيف تكون، وما هي أهدافه، وكيف تغيرت هذه الأهداف والوسائل مع الوقت، لندرك ما نحن مقبلون عليه من تطورات في هذه المنطقة.

بدايات المشروع الصهيوني

تعتبر هذه الأمة بامتداداتها السكانية والجغرافية، من التجمعات النادرة في هذا العالم التي تمتلك امكانات التحول بسهولة، إذا توفرت الإرادة السياسية، إلى قوة عظمى على مستوى العالم، وقد مرت قرون كانت هذه الأمة هي القوة الأولى دوليا، ولذلك كانت هدفا دائما للهجمات الاستعمارية في سياق ترتيب مواقع النفوذ وأوضاع القوى في العالم.

وقد اعتبر الاستعمار على الدوام أن >التجزئة< هي الركن الاساسي في إضعاف هذه الأمة وضمان السيطرة عليها، ولاشيء غير التجزئة يمكنه فعل ذلك.

فعندما بدأت مخططات الامبراطورية البريطانية في السيطرة على أملاك الدولة العثمانية بعد سيطرتها على مصر، بدأت عملية التفكير في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك من أجل زرع كيان بشري غريب في أهم نقطة استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، حيث السيطرة على مصر وقناة السويس من جهة، وتهديد المشرق العربي وفصله عن مصر من جهة أخرى.

ولذلك فقد تزامنت مسألة إقامة وطن قومي لليهود عبر وعد بلفور مع عملية التجزئة والتفتيت التي حملتها اتفاقية سايكس بيكو 1916، أي أن الكيان الصهيوني كان واحدا من أهم ضمانات التجزئة لهذه الأمة.

إذن فقد كان المشروع الصهيوني أداة للمشروع الاستعماري الغربي في تجزئة المنطقة وإدامة السيطرة عليها.

صحيح أنه كان ثمة هدف أوروبي في التخلص من اليهود، ولكن ذلك يبقى أقل أهمية إذا ما قورن بهدف إنشاء الكيان الذي ذكرناه.

هكذا كان اليهود أداة بيد الاستعمار الغربي، ولكنهم كعادتهم دائما يقلبون الوقائع، ويسعون للعب دور أكبر بكثير مما يستحقون، ولذلك لاغرابة أن نرى هذا الكم الهائل من آيات القرآن الكريم تتحدث عن اليهود، إذ أن ذلك يدل دلالة بالغة على الدور التاريخي الذي لعبوه وسيلعبوه مستقبلا بسبب قدرتهم على المناورة وامتلاك المواقع.

لم تعتمد الحركة الصهيونية على وجود دولتها في إسرائيل وإنما اعتبرت أن زيادة نفوذها في الغرب بشتى الوسائل هو الضامن الوحيد لأمن دولتهم ومستقبلها السياسي، ولذلك راحوا يعملون على خطين متوازيين، الأول ترسيخ دعائم دولتهم الفتية، والثاني ترسيخ أهدافهم في البنية الغربية الرأسمالية، حيث الوضع الذي يجيدون التلاعب فيه، بتاريخهم في ممارسة الربا، أساس المجتمع الرأسمالي.

عندما أخذت الأمبراطورية البريطانية بالتراجع نقل اليهود نفوذهم ومركز ثقلهم إلى الولايات المتحدة، وأخذوا يضعون أيديهم على مؤسسات المال والإعلام باعتبارها مفتاح النفوذ السياسي، وأخذوا بذلك يؤثرون على النظام السياسي الأمريكي عبر الانتخابات وأسلوب اللوبي الذي استخدموه بمهارة.

في نفس السباق كان الثقل السياسي لليهود في الولايات المتحدة وأوروبا يركز على مصالح الدولة اليهودية ويدعمها ويجعل من ضمان أوضاعها السياسية والأمنية أحد أهم أهدافه، وبذلك أصبحت >إسرائيل< الدولة المدللة للغرب وأمريكا، والتي لا تنطبق عليها القوانين السائدة، حتى تلك المتعلقة بمصالح تلك الدول.

المرحلة الجديدة للمشروع الصهيوني

بحلول السنوات الأخيرة ودخول العرب مؤتمر مدريد عقب حرب الخليج، وبالشروط الصهيونية، دخل المشروع الصهيوني مرحلة جديدة، تلك التي نَظَّر إليها شمعون بيريز وزير الخارجية الصهيوني حين قال بأنه آن لإسرائيل أن تتحول إلى عملاق سياسي واقتصادي، بعد أن كانت عملاقا عسكريا فقط.

أي أن مشروع الصهاينة التاريخي قد أخذ يشهد تحولا مهما، فهم يسعون الآن إلى لعب دور جديد أكبر بكثير من حجمهم الجغرافي، ومدخلهم إلى ذلك التطبيع مع الدول العربية والإسلامية واختراق المنطقة والهيمنة عليها.

اتفاق اوسلو

ليس غريبا أن تعتبر شولاميت آلوني وزيرة التربية في حكومة العدو والروائي الصهيوني عاموز أوز أن يوم اتفاق أوسلو 13 أيلول 1993م هو ثاني أكبر انتصارللصهيونية، فهذا الاتفاق يعتبر المحطة الأكثر أهمية للمشروع الصهيوني في السنوات الأخيرة، إذ أنه المدخل لتطبيق تنظيرات شيمون بيريز على الأرض.

فاتفاق أوسلو يعني أول ما يعني التخلص من عبء القضية الفلسطينية والفلسطيني، تلك التي كانت سببا في الحيلولة دون تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

الاتفاق كان البوابة التي عبر وسيعبر من خلالها الصهاينة للمنطقة، بعد أن قال العرب جميعا، لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين.

اتفاق أوسلو، خلص اليهود من مشكلة التخلي عن الأرض كمشكلة ايديولوجية، فالأرض لهم، وكل ما في الأمر أنهم تخلصوا من عبء إدارة السكان، ليس هذا فحسب بل إن الملاحق الاقتصادية تجعل من الفلسطينيين سماسرة للاحتلال أو على الأقل جسره للعبور إلى المنطقة.

غير أن السؤال الأهم هنا، هل جاء اتفاق أوسلو مفاجئا أم أنه كان نتيجة طبيعة لمسلسل طويل من التراجعات العربية والفلسطينية؟

لقد كان أوسلو نهاية متوقعة لمسلسل طويل لم يكن يحتاج سوى لوقت كي يدجن المواطن العربي والفلسطيني على القبول به.

منذ عام 1967 اعترف النظام العربي الرسمي بأن إسرائيل وجدت لتبقى، وأنه لا مجال لزحزحتها  من المنطقة، وجاء اعتراف عبد الناصر بقرار242 ليجسد هذا الاعتراف، ومنذ ذلك الحين لم يكن هدف النظام العربي الرسمي ومن ضمنه م. ت. ف سوى (تدجين) المواطن العربي والفلسطيني على القبول بهذه الحقيقة.

منظمة التحرير سارت في هذا الخط منذ عام 69 كما يعترف هاني الحسن، ولكنها كانت هي الاخرى تدجن المواطن الفلسطيني على القبول بذلك، وتقوم بتجريعه السم شيئا فشيئا بمساعدة النظام العربي الرسمي.

عام 1974 نفضت الأنظمة العربية يدها من القضية الفلسطينية واعترفت بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وفي نفس العام جاءت م. ت. ف وأخرجت برنامج السلطة الوطنية والنقاط العشر، والذي قبلت بموجبه بالحل المرحلي للقضية.

ومنذ ذلك الحين كانت كل دورة من دورات المجالس الوطنية الفلسطينية عبارة عن عرس للمصادقة على تجاوزات  السيد ياسر عرفات لقرارات المجلس الذي سبقه، حتى كان الإعتراف ب242 عام 88، ثم مدريد عام 92 ثم أوسلو الكارثة ثم القاهرة (1)، القاهرة (2)، والقادم أسوأ.

لقد سعت الأنظمة العربية طوال عقود للتخلص من عبء القضية الفلسطينية، وكان ذلك جزئياً عام 1974 ثم كانت الزفة في أوسلو، والتي جاءت على أنقاض حرب الخليج التي شكرها الحكام العرب باعتبارها كانت الضربة الأهم للمواطن العربي والفلسطيني والتي جعلته أكثر قابلية للسكوت على المهازل الجديدة.

الجزء الثاني في العدد القادم ان شاء الله.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>