انطلاق المرأة من “بيت الطاعة” (1) لبناء المجتمع


انطلاق المرأة من “بيت الطاعة” (1) لبناء المجتمع

لا يختلف عاقلان في أن مهمة المرأة الحضارية أصابها ما أصاب الأمة الإسلامية من انتكاسات وتراجعات وانحطاطات، كما لايختلف عاقلان في أن المرأة استأنفت تغيير مابنفسها لتغيير ما بمجتمعها مثل استئناف الأمة مسيرتها التغييرية.

إن مشكلة المرأة >مشكلة الفرد في المجتمع<(2) : في  علاقتها بنفسها وبأبويها وبأسرتها وبأختها المرأة وبزوجها الرجل وبأبنائها وبالمسؤولين عنها وبجميع مكونات المجتمع الذي تنتمي إليه من قاعدته إلى قمته.

وكل ما يوطد علاقة من هذه العلاقات -تُسهِم في عمارة أرض الله ضمن حضارة إنسانية راشدة- مأمورا به شرعا برُتبٍ متفاوتة بين الاستحباب والفرض بشقيه -العيني والكفائي-، ولا نملك هنا مرتبة الاجتهاد في رصد الحدود الفاصلة بين ماهو مستحب في حق المرأة وما هو فرض… لأن هذا -في اعتقادي- عمل مؤسَّسي ويتداخل فيه ماهو نظري (سواء كان نصًّا أم اجتهادا فكريا بشريا) وماهو عملي (سواء تعلق الأمر بواقع المرأة النفسي والاجتماعي قديما أم حديثا)، وتتداخل فيه جهود المخلصين من هذه الأمة : كانوا فقهاء تقليديين أو مجتهدين أم ساسة مسيِّرين أم علماء اجتماعيين واقتصاديين.

وعلى الرغم من كل ما سبق، لنا وجهة نظر في بعض الدوافع الكامنة وراء إصدار أحكام تُعنى بالمرأة في واقعها الاجتماعي :

- إن علماءنا السابقين -رحمهم الله- أفرطوا في تنزيل قاعدة سد الذرائع في واقع المرأة المسلمة، فلا داعي إذن لأن نكيل السب والشتم والتحامل عليهم، بل يكفي أن نردّ الأمور إلى نصابها بمنهج علمي يبني ما يستحق البناء ويرمّم ما يحتاج إلى ترميم منطلقين في ذلك من فقه الأوراق وفقه الواقع على السواء، محتاطين لأنفسنا ولديننا أن نسقط في التحليلات الصبيانية المتّسمة بالغضب والانفعال الهدّامين.

- ترِدُ ألفاظ ومصطلحات -أو مرادفاتها- (كالطاعة والمسألة الجنسية) ضمن نصوص معتمدة في شرعنا لها علاقة وطيدة بالمرأة، ويُعمَد إلى نقدها ومحاربتها عند ورودها في سياق أحد العلماء أو المفكرين دون أن ننبه على أننا نرُدّ على فهم خاطئ، لا لفظةٍ أو مُصْطَلحٍ ما أُسيءَ تسخيرُه.

- ورد عند البعض أن الدافع إلى القول >بضرورة إبقائها (أي المرأة) في سجنها التقليدي< هو >دافع الغريزة الجنسية طبقا لتحليل فرويد< :

وفي هذا نوع من المبالغة، فنحن مؤمنون بشمولية وواقعية الخطاب الإسلامي، هذا الخطاب الذي يشمل دوافع الغريزة الجنسية في الإنسان، وهي جزء من القوة الشهوية التي تمثل شطر ماتقوم عليه بنية الإنسان الخِلقية والخُلقية بجانب الشطر الآخر : القوة الغضبية، بل رتَّب الشرع الحنيف على هذه الغريزة الجنسية وما ينتج عنها أحكاما فقهية مدى حياة الكائن البشري، يجدها المرء في أي مؤلّف من مؤلفات الفقه الإسلامي.. لذا لا عجب ولاعيب في أن يكون دافع قول -أو عمل- المسلم تارة ماديا وأخرى جنسيا، ومرة نفعيا وأخرى دافعَ الخوف وهكذا، إنما العيب والعجاب هو اختزال علل كل قول أو عمل في علة الجنس وحده أو علة المادة وحدها أو الوقوع في ا لخوف الذي يُخرِج المسلم من دائرة العبادة إلى دائرة الكفر مثلا..

ومن المقاصد الخمسة التي طالب الشرع بحفظها “النسل”، وأصله المسألة الجنسية، ونجد كثيرا من التوجيهات الإسلامية تعالج مسألة الجنس من حيث كونها من الدوافع الأساس لتحقيق السكن في حياة الإنسان، وهي مبثوثة في كتب الحديث مثلا ضمن أبواب النكاح (الزواج)، أو في كتب متخصصة في العلاقة بين الزوجين.

هذا وحتى الذين حبسوا المرأة في عمل البيت مقتنعون بأنها تُهيِّئُ بذلك أساس نهوض المجتمع من حيث إنها مصنع الرجال والنساء، ولا يتأتى لها هذا إلا بالتفرغ والتخصص..

أنا لا أدافع عن فريق دون آخر، وإنما أريد أن أوضح أنه لافائدة من إطلاق الأحكام جزافا، وأنه لايخلو فكرُ أو اجتهادُ أيِّ فريق من خير يجب الإبقاء عليه، بل تسخيره لإصلاح ما ارتأيناه خطأ عنده، وأنه لامناص من الدراسة المعمقة حتى نَلبَس كلَّ حالة -تُهِمّ المرأة- لبوسَها، وهذا من اختصاص لجنة تضم كل الفعاليات المخلصة في الأمة المسلمة كما أسلفتُ في أوائل هذه الكلمة..

إن “بيت الطاعة” أو “بيت الشورى” أو “بيت السكينة” قاعدة صلبة تنطلق منها المرأة لبناء ما يسّر الله لها أن تبنيه وتعود إليها لاسترجاع الجهد قصد استئناف مسيرتها الحضارية من جديد وهكذا..

لكن إذا حصل تعارض ما بين مسيرة المرأة البنائية خارج بيتها وتحقيق السكن داخل بيت الأسرة، ماالذي نحتكم إليه، وما قولُ فقه الأولويات -في شرعنا الحنيف- في هذا التعارض؟.

(1) وردت هذه التسمية في عنوان لمقال في جريدة الراية عدد 87 صفحة 10.

(2) هذه العبارة وعبارتان أخريان ترِدان في أواسط هذه الكلمة -بين مزدوجتين- من كلام الأستاذ مالك بن نبي كما ورد في جريدة الراية السالفة الذكر.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>