هذا نذير من النذر الأولى
ذُهل الرأى العام المغربي لحجم المؤامرة التي اكتشفت خيوطها ولم تعرف منابعها، ولا الرؤوس الكبيرة المدبرة لها في الخفاء.
ومصدر الذهول جاء من التوقيت الذي اكتشفت فيه المؤامرة، إذ ليس في أجواء المغرب السياسية والاجتماعية مايدعو إلى توقع حمل السلاح، واستخدامه بدون وجود مبررات موضوعية تدعو لذلك، الأمر الذي يدل دلالة صريحة على أن الفتنة مُصدَّرة إلينا من أماكن لها أطماع غير معلنة في بلدنا الآمن بوعي حركاته، ورزانة مفكريه، ويقظة الساهرين على توجهاته الفكرية، ورهاناته السياسية حاضرا ومستقبلا.
والمهم في هذه العجالة أخذ العبرة مما وقع لتفادي السقوط في فتنة عمياء تأكل الأخضر واليابس من الآمال والجهود، وترهن المصير، وتضعنا بين أقدام المفترسين المتربصين.
وأول العبر : أن بلدنا مستهدف بما يمثله من موقع استراتيجي مهم، ورصيد تاريخي وحضاري متميز، ومورد كبير للثروات واستغلال الطاقات، وهذا من شأنه أن يسيل لعاب الطامعين الأقربين والأبعدين.
وثاني العبر : أن المغرب لم يعرف تاريخيا بصفته دولة حضارية مشعة إلا في ظل الإسلام، فبالاسلام كان، وبالإسلام قاوم الأطماع، وبالإسلام انتصر، وبالإسلام تشابكت الأيدي، وترابطت القلوب بين القِمَم والقواعد، وتوحدت العزائم للبناء الراشد. فالإسلام هو كيان المغرب وروحه، والمستهدف في هذه المؤامرة وغيرها هو اغتيال كيانه، وسلخه عن هويته على المدى البعيد، لنزع مقوماته الحضارية التي تعطيه القدرة على التحدِّي والمجابهة. والوعي بهذه الحقيقة على المستويات العليا والدينا يكوّن سورا منيعا لدرء الأخطار، وتوفير الجهد لخدمة المشروع الحضاري المأمول، وتصحيح المسيرة التاريخية المشعّة بنور الإسلام وهديه.
وثالث العبر : أن العاملين في الحقل الدعوي مستهدفون بالدرجة الأولى من أعداء الإسلام في الداخل والخارج، فقد حاول الإعلام الأجنبي الحاقد بمختلف الوسائل العثور على أدنى شبهة لإلصاق التهمة بالمسلمين، ولكن الله سلم، لكن الغريب أن توجد في داخل البلد جهات تدعي الرزانة والعقلانية تتجاوب مع هذا الإعلام، وتفتل في حبله، للتنفيس عن المخزونات المكبوتة من الكراهية للإسلام، وأهله، ضاربين عرض الحائط بكل أخلاق المواطنة والكرامة والشرف.
رابع العبر : أن البعض صار يتكلم عن المسلمين بهذا البلد كجسم أجنبي غريب دخيل، لاحق له في خدمة وطنه، ولا في التمتع بخيراته، ولافي التعبير عن همومه وآلامه وآماله، ولاحق له في المشاركة في صنع قراراته السياسية والدفاع عنها، ولافي المساهمة في اقتراح المشاريع الإصلاحية بل ولا حق له حتى في الغيرة على هذا الوطن…
إن هؤلاء يفتلون في حبل الأجنبي، ويغترفون من معين الخيانة لهذا الشعب المسلم شعروا أم لم يشعروا. وهم بهذا يؤصلون للتفرقة، ويمهدون لفتنة قد يكونون أول ضحاياها.
وخامس العبر : أن الجهات المعادية للإسلام والمسلمين بهذا البلد جادة في تصنيع العداء بين الشعوب، وتكريس التفرقة والتخلف والإقصاء عن ميادين اختيار المصير بكل حرية ونزاهة، لأنهم يعرفون أن الشعوب اسلامية الروح والعواطف والميول، والتوجهات، مهما وقع لها من انحرافات وتعثرات.
سادس العبر : أن كل وحدة بين الشعوب الإسلامية لا تقوم على أساس الترابط الإسلامي هي وحدة مهزوزة من القواعد، لادوام لها ولااستمرار، ولقد جُربت الكثير من أشكال التوحد والتوحيد في غيبة الحضور الإسلامي فكان مآلها الفشل والانهيار.
وإلا فما معنى اكتشاف مؤامرة صغيرة الحجم شكلا، بالنسبة لقوة الدولة، عميقة الدلالة مضمونا واستراتيجية، فتكون الاستجابة لها من الجيران الأقربين بشكل مبالغ فيه من التهويل، وردود الأفعال التي لاتخدم المصلحة المشتركة بين الشعوب المغاربية، أليس هذا دليلا واضحا على عمق الهوة المصطنعة بين الشعوب التي أريد لها أن تتوحد وتترابط على غير أساس الإسلام؟
فعلى أي حال، هذه بعض النذر المتوعدة التي يجب على عقلاء الأمة تدبرها، والعمل على نزع فتائل اشتعالها بحكمة وروية وصبر، لترتد المكائد في نحور مدبريها، وينعم وطننا الحبيب بالأمن والاستقرار في ظل الإسلام، رغم مكر الماكرين.