دفاع عن حرية الفكر أم هجوم على القيم الاسلامية؟ احتضان”تسليمة نسرين” بعد سلمان رشدي في الغرب


دفاع عن حرية الفكر أم هجوم على القيم الاسلامية؟ احتضان”تسليمة نسرين” بعد سلمان رشدي في الغرب

قضية تسليمة نسرين كقضية سلمان رشدي، ليست لها قيمة ذاتية من الناحية الفكرية المجردة، ولكن تصنع لها قيمة من خلال التركيز المكثف عليها واستغلالها لتكون محطة أخرى من محطات عدوان مستمر من جانب القوى المسيطرة في الغرب باسم القيم الإنسانية والإجتماعية المنحرفة فيه تحت وطأة تلك السيطرة المادية، بعيداً عن التوازن بين الاحتياجات المادية والمعنوية للإنسان، ضد القيم الحضارية الإنسانية الصادرة عن العقيدة في الإسلام والقائمة على التوازن والتكامل بين تلك الاحتياجات دون أن يطغى جانب منها على الآخر، وبما يحقق الصورة المثلى لحقوق الإنسان في مختلف الأصعدة دون أن تتعدى ممارستها على حقوق “الإنسان الآخر”.

ومع أن القضية لاقيمةلها بحد ذاتها، فلا ينبغي التهاون في تقدير نتائج استغلالها في الأوساط الغربية. ولا نغفل بهذا الصدد أن اختراق الستار الحديدي للشيوعية في الشرق لم يبدأ بالمال والاقتصاد، بل من خلال صناعة “رموز” من أمثال زاخاروف وسولشينتسين، والأمر أشد خطراً بالنسبة إلى المجتمع الإسلامي، فقد سبق اختراقه اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، كما قطع غزوه الفكري والاجتماعي أشواطاً بعيدة، ، وإذا صح القول بوجود ستار حديدي حتى الآن، فإن قوامه الرئيسي متركز على ما بقي من قوة ذاتية للقيم العقيدية الإسلامية، وهي المستهدفة في المرحلة الراهنة.

ولا تعتمد صناعة الرموز على المعرفة والوعي في الغرب، بل على النقيض من ذلك.. إن قوة مفعول الاستغلال على هذا الصعيد مرتبطة ارتباطاً مباشراً بأن الغالبية العظمى من العامة تتعاطف مع “الرمز المضطهد” وإن لم تطلع على إنتاجه أو تستوعب استيعاباً واعياً أسباب اختياره دون سواه رمزاً لحملة فكرية وإعلامية وسياسية واسعة النطاق، كما هو الحال مع سلمان، رشدي وتسليمة نسرين، ومن الطبيعي أن يسهل الجهل بالإسلام، أو انتشار التصورات الخاطئة عنه؛ مهمة الحملة عليه من خلال الرموز أضعاف ما كان عليه الأمر بالنسبة إلى الشيوعية التي لم  تكن مجهولة، بل كانت نقطة الضعف فيها قائمة في انحراف تصوراتها.

الشذوذ في السيرة الشخصية

والأرضية التي تتحرك عليها جهود القوى الفكرية الثقافية والإعلامية والسياسية في الغرب لاصطناع رموز “الاضطهاد الاسلامي المزعوم جنبا إلى جنب مع تجاهل رموز أخرى لم يجد اصحابها الاضطهاد إلا بسبب إسلامهم”.. هذه الأرضية راسخة بمفعول ما صنعته الحقب التاريخية الماضية، حتى تحول كثير من جوانبها الباطلة بطلانا صارخاً يظهر للعيان عند أول تحقيق منهجي فيها دون صعوبة، والمتناقضة تناقضاًَ مباشراً مع المنطق الغربي نفسه في ميادين البحث العلمي والسلوك العملي على السواء.. تحول  ذلك إلى “بدهيات” مسلم بها في أذهان العامة وكأنها لا تحتاج إلى عرض موضوعي و لا نقاش منطقي منهجي، و بالتالي تبنى عليها “صروح ضخمة” من الافتراءات دون صعوبة، لا سيما و أن معظم محاولات الكشف عنها من جانب جهات إسلامية، بقيت في حدود التعرض للصروح وليس للأسس، فحتى في حالة نجاح بعض تلك المحاولات، كان من السهل بناء صروح جديدة بدلاً من تلك المتهدمة.

ولا نستطرد طويلاً عند الإشارة كمثال للتوضيح إلى أن مسألة عدم وجود أثر للسياسة في الإسلام كانت “مسألة مفروغا منها”، بمقدار ما أصبح الآن من الأمور المفروغ منها تماماً؛ إن الاسلام يشمل -فيما يشمل-  الجانب السياسي، ولكن سرعان ما قام بدلاً من ذلك صرح جديد للافتراءات من خلال موجة “الأصولية المتطرفة” و “استغلال الدين” وربط “الإسلام السياسي بالإرهاب”، و أصبح هذا الصرح هو الذي يشغل الجهود المضادة من جانب التيار الإسلامي، وإذا انهار يوماً ما فسيظهر سواه..إلى أن تتوفر جهود إسلامية أصيلة مكثفة تتعرض للدعائم الأساسية لتلك الأرضية الزائفة من المعلومات في الغرب عن الإسلام من الأصل، وإثبات بطلانها من خلال تقديم الصورة الإسلامية الأصيلة الصحيحة التي تفرض وجودها عبر قيمتها الذاتية ومفعولها في حياة الناس وتصوراتهم وقضاياهم المعاصرة.

وفي مقدمة ما يُلاحظ على قضية تسليمة نسرين الآن، أن التلاقي بينها  وبين تيار القيم السائد في الغرب، كان ولايزال “سطحياً” إلى حد بعيد، ومثال ذلك الميدان الذي يوضع له عنوان >الدفاع عن حقوق المرأة< ويتخذ محتوى الدعوة الصريحة للإباحية إلى درجة استخدام تعبير >حرية رحم المرأة< رمزاً لدعوتها في كتاباتها الصحفية.. والواقع أنها لم تنطلق في ذلك من الفكر الغربي وموجة الإباحية التي بدأت فيه خلال الستينات الميلادية تقريبا، قدر انطلاقها من تجربة شخصية محضة لايشير إليها محتوى كتابها >العار< فقط، بل يشير إليها أيضاً أنها تزوجت وفشلت في زواجها ثلاث مرات ولما تبلغ الخامسة والثلاثين من العمر، بل يكاد يوجد انفصام تاريخي زمني مباشر بين دعوتها الراهنة وبين ردود الفعل التي بدأت تظهر في العالم الغربي على الإباحية بصورة ملحوظة، كما هو الحال مثلاً مع انتشار ظاهرة تأسيس الروابط والجمعيات الأمريكية في المدارس و الجامعات انتشاراً واسعاً تحت عنوان >الحفاظ على عذرية الفتاة قبل الزواج< بعد استباحتها إلى درجة انتشار النظرة القائلة باعتبار تلك العذرية >عيباً< كذلك ففي أوروبا دعوة متنامية إلى التركيز على الأسرة وتكوينها ومكانتها الاجتماعية، كرد فعل على مرحلة تجاوزت فيها نسبة ما يسمى >الوحدات الأسروية< على أساس المعاشرة دون زواج؛ نسبة الزيجات، وصدرت التشريعات الرسمية  لتقنينها في بلدان عديدة.. بل كانت ظاهرة الإباحية في الغرب في جوهرها عبارة عن ظاهرة “التجارة بالجنس”، والتي صنعتها وروجت لها “القوى المادية المسيطرة” لتحقيق أرباح مالية محضة، تماماً كما هو الحال مع التجارة بالمخدرات. ويمكن القول إن ردود الفعل المضادة الآن أقرب إلى بوادر معركة توشك على الاندلاع بين القيم المادية من جهة و القيم الإنسانية و الخلقية والاجتماعية من جهة أخرى.

إن التجاوب الغربي في هذه الأجواء مع دعوة نسرين الشاذة إلى الإباحية، لا يتعدى أن يكون تجاوبا مع الدعوة إلى نشر الإباحية في المجتمع الإسلامي بالذات.. و من هنا أيضاً، فمن الخطأ إلى حد كبير القبول بمحاولات تصوير تلك الدعوة -كما تنقل بعض وسائل إعلامنا عن وسائل إعلام غربية – وكأنها تعبير عن “الانتقام” من مجتمع يسطير الرجال “إسلامياً” فيه، وهو الزعم الذي يريد أن يضع نسرين وكتاباتها داخل إطار الدعوات الغربية المعروفة تحت عناوين مغرية كمساواة المرأة بالرجل، بل على النقيض من ذلك، فكتابات نسرين من البداية لم تقم على فهم الغرب وقيمه والتجاوب معه قدر ما قامت -كما يشهد كتاب >العار< المشار إليه- على تجربتها الشخصية، بغض النظر عن مدى الصدق أو الكذب فيما ترويه عن حياتها الزوجية، وهذا ما يجعل دعوتها أقرب إلى “الانتقام” من النساء المسلمات اللواتي لم يسرن على طريقها، وحَفِظ المجتمع الإسلامي -رغم سائر النواقص السلوكية والثقافية فيه- عفافهن ومكانتهن الاجتماعية والمعنوية، نتيجة رسوخ قيم  معينة في الأعماق، حتى في نفوس غير الملتزمين بالإسلام من مثل >النساء شقائق الرجال< و >الجنة تحت أقدام الأمهات<.

الشذوذ كطريق إلى الشهرة

ورغم إباحيتها التي فتحت لها بعض الأعمدة في الصحف العلمانية المحلية، فإن الكاتبة البنغالية لم تطرق باب الشذوذ العقيدي والفكري بالهجوم على إسلام بلدها وأمتها وتاريخها إلا بعد أن طرقت باب الشذوذ الأقرب إلى خيانة بلدها عبر الزاوية السياسية المحضة، بما نشرته من قصص وروايات -تفقد مصداقيتها من خلال نوعية قلم صاحبتها- بصدد تعرض ” الهنود” لانتقام المسلمين بعد العدوان المعروف على المسجد البابري.. ولكن “الافتراء” في نطاق هذا الحدث الذي وجد الإدانة في الغرب عموماً، لم يكن المدخل المناسب إلى العالم الغربي، فلم تَجْنِ منه إلا جائزة >آنند بازار< الهندية للنشر والتوزيع، واتساع نطاق الغضبة “الوطنية العلمانية” -لا الاسلامية فقط- داخل بنغلاديش، ولم تلتفت إليها الأجهزة الغربية آنذاك إلا في حدود محاولة “التشهير” بالمسلمين عبر النقل على لسان شخص ينتمي إليهم، حتى إذا طرقت نسرين باب الشهرة في الغرب بتجاوز آخر الخطوط الحمراء والتهجم المباشر على الإسلام والقرآن الكريم، أصبحت “تستحق” التعاطف في الأوساط الغربية التي وجدت بذلك ضالتها لصناعة رمز آخر من رموز حرب التشهير بالإسلام والمسلمين كيلايبقى سلمان رشدي “حالة استثنائية” مقابل عشرات الأمثلة على اضطهاد الفكر الإسلامي داخل أرضه على أيدي علمانيين ينتسبون إلى الغرب فكراً وقلباً. وبدأت آنذاك فقط اتصالات وسائل الإعلام الغربية بالكاتبة البنغالية المغمورة، فكان من ذلك في ألمانيا فقط كبرى الصحف الأسبوعية “دي تسايت” وكبرى المجلات الأسبوعية >دير شبيجل< -كأمثلة دون حصر- وكانت نسرين تكرر في هذه المقابلات ما سبق أن صرحت به لجريدة هندية في المرة الأولى من دعوة إلى “إعادة النظر” في القرآن الكريم نفسه، والقول إن سر مأساة المرأة المسلمة هو الإسلام!..

لقد وصلت تسليمة نسرين أخيراً إلى غاية ما يمكن أن يصل إليه أمثالها باحتضان الساسة والمفكرين والإعلاميين الغربيين لقضيتها -وكان هذا هدف يستحق السعي للحصول عليه- فبدأت التصريحات من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ووصلت إلى مجلس وزراء الاتحاد الأوربي، وتسابقت الدول الغربية إلى إعلان الاستعداد لمنحها حق اللجوء السياسي، وكان من الواضح أنها استغلت الوضع الاقتصادي المعروف لبنغلاديش للضغط عليها، حتى تجاوزت حرمتها القضاء وتجاوزت الإرادة الشعبية الظاهرة للعيان، فاصطنعت مسرحية إصدار الأمر بالاعتقال ثم إلغاؤه، ثم فتح المجال لتغادر الكاتبة المحبوبة في الغرب، الممقوتة في بلدها، أرض بنغلاديش إلى أرض السويد فتتوارى عن الأنظار كسلمان رشدي، وتتحول مثله إلى سلعة غربية في تجارةالفكر ضد القيم!..

بين الهجوم والدفاع

إن أسلوب تفاعل الغرب مع نسرين يكشف عن أربعة أمور أساسية :

1- هؤلاء الذين يتساقطون على الطريق من أمثال سلمان وتسليمة، لا يتجاوزون -مهما بلغت بهم شهرة الاحتضان في الغرب- أن يكونو في مواقع شاذة، لاتبدل من حقيقة بسيطة يدركها الغربيون أنفسهم، وهي أنهم يصلحون لأمر واحد هو استغلال أسمائهم -ولانقول إنتاجهم الضحل بالموازين الموضوعية المجردة- في ميدان “دفاع” القوى المسيطرة في الغرب عن أوضاعه المادية المصلحية المنحرفة الراهنة.. وذلك في نطاق الشعوب الغربية نفسها، فالقوى المسيطرة في الغرب اليوم، وبعد أن تقلصت المسافات الجغرافية وضعف مفعول الحدود السياسية نتيجة تقدم تقنية نقل المعلومات، أحوج ما تكون إلى وسائل وسبل جديدة للتضليل عن وجود قيم أخرى قويمة غير تلك التي تشكو الشعوب الغربية من آثارها المرضية الاجتماعية والخلقية. إن احتضان الشواذ في عقيدتهم وفكرهم موقف غربي “دفاعي” محض، ولا قيمة له في ميدان آخر لا ينبغي الإغفال عنه، وهو غزو المجتمع الإسلامي بالقيم الغربية، فالغربيون يدركون أن هذا المجتمع قد لفظ تلك الأسماء، وأن الاحتضان الغربي لها يجعل أنصار طريقها الشاذ أنفسهم يتنصلون من الصلة بها خشية على أنفسهم من العزلة، وعلى البقية الباقية من وجودهم داخل المجتمع الإسلامي .

2- إن الزعم القائل بأن مصدر التحريض ضد الإسلام في الغرب هو الجهل به؛ زعم باطل مردود، فالفئة التي تحتضن الشواذ عن عقيدة الإسلام وفكره والتي تجاهر بذلك وبالترويج للشذوذ كموقف عداء للإسلام وأهله، إنما هي الفئة المثقفة والفئة المسيطرة على وسائط الفكر والإعلام والتوعية في المجتمع، ولانقول هي الأقرب إلى معرفة الإسلام، بل نقول إن غالبيتها تعرفه وتناصبه العداء.. فلا مكان للحديث عن الجهل هنا إلا في حدود أنه جهل العامة الذي تساهم تلك الفئة بتعزيزه وتستغله لممارسة عدائها المتأصل ضد الإسلام والمسلمين تكبراً عن سابق إصرار وتصميم.

3- إن ما يثار حديثاً عن رغبة في “الحوار” مع الإسلام والتعريف به، والمزاعم التي تقول بالرغبة في التعايش والتسامح وما شابه ذلك، يتطلب أشد درجات اليقظة والتمييز الدقيق، فمن مصادر تلك الدعوات جهات مخلصة معدودة كماً وتأثيراً، ومن مصادرها كثرة كاثرة لاينبغي الاكتفاء في تقويم مواقفها بالنظرفي محتوياتها اللفظية، فهي تظهر على حقيقتها عند التجربة العلمية، وليس مثال رشدي ونسرين هو الوحيد للتأكيد على أن المطلوب غالباً ليس الحوار مع الإسلام كما أنزله الله، وكما يدعو إليه ويعمل من أجله رجالات الفكر الإسلامي المعاصرون، بل المطلوب في غالب تلك الدعوات -لاسيما ذات الارتباط بجهات رسمية- هو “اصطناع” إسلام آخر يخضع للقيم الغربية المنحرفة ويجري تعديله ليقبل أهله بالخضوع لها، لاالتعايش معها فحسب.. وذاك ما يعنيه تمجيد إسلام معتدل “يعتبره المستشرق الأمريكي برنارد لويس هو؛ إسلام أتاتورك”، ويعتبره السياسي الألماني المستشار السابق هلموت شميدت هو “اسلام السادات”، ويعتبره الأمير البريطاني تشارلز هو “الإسلام غير الأصولي”، ويعتبره أهل الفكر والإعلام في الغرب هو  “إسلام سلمان وتسليمة”.

4- وتأتي قضية التعامل مع نسرين -علاوة على ما سبق- كشاهد إضافي على تناقض صارخ داخل الفكر الغربي وعلى أزمته المعاصرة مع نفسه، وعلى وجه التحديد في صميم ما يزعمه أهله له من “الحرية الثابتة كحق إنساني أصيل”.. ولا نطيل فنكتفي بالإشارة إلى أنها قضية تتزامن مثلاًمع إجراءات فرنسية لحظر كتب ضاقت الحرية الفرنسية عن استيعابها في مجتمعها “العلماني المتقدم المتحضر” ككتاب >الإسلام بين الشرق والغرب< لعلي عزت بيجوفيتش.. وكذلك حظر الاستماع إلى محاضرة فكرية من جانب داعية لا سلاح له سوى سلاح الفكر والمنطق مثل أحمد ديدات، فمنع من دخول حدود

تتمة الموضوع في الصفحة 4

دفاع عن حرية الفكر أم هجوم على القيم الاسلامية؟ احتضان “تسليمة نسرين” بعد سلمان رشدي في الغرب

“الحرية الفكرية الفرنسية”، ولا يقتصر الأمر على فرنسا، كما يشهد  مثال آخر من ألمانيا، فوصول نسرين إلى السويد تزامن أيضاً مع حملة سياسية ألمانية ضد محكمة ألمانية “تجرأت” على بعض ما يراد أن يكون من المسلمات التاريخية المطلقة إلى درجة >عقيدة مقدسة<، وكانت جريدة القضاء في المحكمة أنهم اكتفوا بإصدار حكم “معتدل” على شخص ينكر ما يسود في عالم الفكر الألماني منذ الحرب العالمية الثانية عن المذابح النازية ضد اليهود، وقد عللوا عدم التشدد في الحكم على الرجل -الذي يعتبر من “النازيين الجدد”- بأنه لم تكن له أية سوابق، وأنه يعبر عن اقتناع فكري، وأنه لم يكن غوغائياً، بل استند في ذلك إلى دراسات لعلماء  بريطانيين وفرنسيين وأمريكيين وكنديين يشككون في “حجم” تلك المذابح أو فيها أصلاً..

كلا.. ليست >حرية الفكر< في المفهوم الغربي دون قيود، ولا >حقوق الفرد< دون حدود، ولكن القيود والحدود التي يرتضي الغرب وجودها، هي تلك التي صنعتها المادية المسيطرة فيه، أما ما يرتضيه المجتمع الإسلامي لنفسه وفقاً لعقيدته وحضارته وتاريخه واقتناع الغالبية الساحقة من أهله، فهي قيود وحدود مرفوضة.. رغم أنها لا تتجاوز أن تكون في إطار ما يمنع ممارسة الفرد لحرياته وحقوقه على حساب الفرد الآخر في المجتمع الواحد المشترك.

نحو صيغة إسلامية أصيلة لحقوق الإنسان

وكلمة موجزة في الختام.. لايصح أن نحصر المشكلة التي تطرحها قضايا شاذة من مثل التعامل الغربي مع سلمان وتسليمة، في ضرورة دفع الغرب إلى مواقف منصفة، فشذوذه سينهار داخلياً آجلاً أو عاجلاً.. ولكن المشكلة الأكبر -في حدود ما نراه- هي غلبة أسلوب “الدفاع.. والتشرذم” على المواقف المتفاعلة من داخل الأرض الإسلامية مع هذه الأحداث الجانبية، وكذلك مع أصل القضية من حيث موقف الغرب من الإسلام وقضاياه. ولايستوقفنا هنا وجود مواقف صادرة عن علمانيين متغربين أشد دفاعاً عن الغرب وعلمانيته من أهل الغرب أنفسهم، بل المقصود هو المواقف ذات التوجه الإسلامي، والتي نرى من أهم ما ينبغي أن يتوفر فيها؛ الامتناع عما يستحق  وصف أسلوب “المقارنة” كأن يكون التفكير والعمل على وضع صيغ قويمة لحقوق الإنسانٍ وحرياته في العالم الإسلامي مرتبطاً ارتباطًا مباشراً بما يسود في الوقت الحاضر من تصورات غربية إلى درجة الانزلاق في مواقف الدفاع والتبرير كلما اكتشفنا تناقض بعض ذلك مع الإسلام نفسه ان المطلوب هو ان ننطلق ابتداء من الاسلام نفسه، ومما رسخه من القيم والأفكار والتصورات، فنستنبط منها استنباطاً مباشراً ما يحتاج المسلمون وتحتاج البشرية إليه، من المناهج أو المواثيق أو الصيغ أو المواقف الحضارية الإنسانية المتفاعلة مع ما تشهده بلادنا الإسلامية وما يشهده عالمنا وعصرنا من أحداث وتطورات وقضايا كبيرة وصغيرة..وآنذاك فقط يتوفر أول شرط من شروط “حوار” قويم مع طرف آخر، هو المسيطر اليوم، وجل المآسي البشرية الراهنة نتيجة من نتائج سيطرته هذه.

عن مجلة قضايا دولية ع 243

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>