لنرتقي من الطب المعالج إلى الطب الوقائي
تجتاح في هذه الأيام لدى الأوساط الطبية والشعبية موجة من الذعر والهلع بسبب داء إسمه >السيدا< الذي ظهر بالولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية ثم انتشر بسرعة خارجها إلى كثير من البلدان وبلغت ضحاياه الآلاف من المصابين.
لذلك لا تخلو وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة من مجلات وجرائد بالإضافة إلى ندوات ودوريات من التعريف به والتحذير منه.
وفي هذا الإطار التعبوي قامت “الجمعية المغربية” بجولة تأطيرية حول هذا الداء الخبيث الماكر وانتهى بها الأمر بثانوية القرويين بفاس، وبعد مناقشة طويلة وحادة أكد المشارك في الأخير كحل للخطر الداهم الذي أدخل الهلع إلى قلوب البشر من ضرورة استعمال “العازل الطبي” كحل حتمي في الوقت الراهن، إلى أن يتمكن الأطباء والعلماء إن شاء الله من إيجاد دواء لهذا الداء، مثلما وجد دواء لداء الطاعون الذي أودى في العهود الماضية بحياة كثير من الناس!! وهكذا ستحل الإشكالية ويحل المشكل!!
ولكن كثير من التلاميذ لم يقتنعوا بهذا التحليل الساذج والبسيط واللاعلمي والذي اكتفى بوصف واقع الداء ولم يستطع أن يبحث عن الأسباب الحقيقية والجوهرية التي أدت إلى انتشار هذه الآفة داخل المجتمع، فجاءت معظم ردودهم تؤكد أن منشأ الأيدز في الحضارة الغربية هوالتطرف في الإنحراف والشذوذ والإباحية.. وقال جل المتدخلين أن التمسك بالإسلام وشريعة الإسلام هو الحل.. نعم لنا قيم وأخلاق وعقيدة تملك لنا الحصانة والمناعة أمام كل آفة، فلا بد إذن من إنهاء عصر الإباحية الجنسية والإختلاط كما أن الطهر والعفاف ضرورة حيوية وصحية كما أنها ضرورة أخلاقية واجتماعية.
وأخيرا أذكر القراء أن مرض -السيدا- مثله مثل الأمراض الأخرى الإجتماعية والسياسية : التي انتقلت إلينا من الغرب، مثل الفقر والظلم، والبطالة، والربا، اليأس، الخواء الروحي، التبعية، فالنمط الغربي ومرجعيته الحضارية لا تحمل أي نموذج للتنمية والإنقاذ، بل نمودج الاستعمار والحروب والازمات الداخلية وشل كل محاولة للنهوض بل يحمل في أحشائه معاول الهدم، هدم كل مقوماتنا التي تضمن لنا الإستقلالية والعزة والكرامة من كل عناصر المقاومة.
وإذا كانت “السيدا” قد دقت ناقوس الخطر على حياتنا ووجودنا، فإنها تدل كذلك على ظاهرة سقوط الحضارة الغربية وترديها على الرغم مما وصلت إليه من رقي وإنجاز تكنولوجي، إذن على العقلاء الإطلاع أكثر على جوانب الأزمة في هذه الحضارة والتعرف على شخصية إنسانها، حينئذ سيتعززون بالإسلام كدين إنساني يشكل الحل الوحيد لأزمة البشرية، فلماذا الإستمرار بالتفكير بتصورات غريبة ودخيلة ولا تمثل بعدنا العقدي -الحضاري- الفكري وهويتنا الثقافية؟ فنطرح الحل للإيدز العازل الطبي ، ومشكلات اقتصادية واجتماعية أخرى بنفس المنظور، فتتعمق الهوة بيننا وبين الرؤية الحقيقية للأشياء. فالرؤية الشمولية والموضوعية تتمثل فقط في الإسلام لأنه منطلق رباني، منطلق معصوم من الخطأ، وأقول ما قاله رجاء جارودي “الإسلام هو تاريخ المرحلة المقبلة والأفق الجديد للفكر الإنساني”.
أو كما يقول رشدي فكار : “سيدخل الإسلام إلى الساحة العالمية كقدرة خلاقة قادرة على الإنقاذ”. وصدق الله العظيم : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
السعيدي محمد.