إطلالة على عالم نجيب الكيلاني الروائي


إطلالة على عالم نجيب الكيلاني الروائي

نجيب الكيلاني من خلال بعض رواياته التي اطلعت عليها : “اليوم الموعود”، “العالم الضيق”، “ليل وقضبان”… يرغب في قول شيء يخفيه وراء كتابته التي قيل عنها >كتابة ساذجة< قد تكون كذلك لما فيها من تفصيل كما قال أحد النقاد وقد يظهر نجيب الكيلاني وكأنه يكتب لقارئ ساذج يفصل بعض الأحداث التي لا تحتاج لتفصيل، لكنه يقول للقارئ غير العادي -غير الساذج- >لا تكن ساذجا وتفهم أن ما ظهر هو ما بطن في رواياتي<، وبهذا لا تكون كتابته كتابة ساذجة، والقارئ غيرالعادي هو الذي يفطن لهذا الأمر…

فنجيب الكيلاني قلق في كتابته الروائية مضطرب في روايات أحداثه يسرع في التنقل من موقف لآخر، ..يرغب في التصريح بشيء في التحذير من شيء، في التحريض على شيء في التمرد على شيء، في تنبيه القارئ لشيء…

ولكن ما هو؟! الكاتب وحده يعرفه لكنه يتردد في التصريح، إسراعه في رواية الأحداث يجعله لا يصل في جل الأحيان إلى تبليغ ما يريد وهذا ليس جهلا منه أو قصورا، وإنما هو تعمد منه، يتعمد عدم التصريح بما يجوب في خاطره وذهنه وهو يكتب، وإن كان يطنب في التفصيل والتحليل، وما أظنه إلا إطنابا وتفصيلا متعمدا، …

نجيب الكيلاني في روايته يريد أن يسير بنوع معين من القراء بعيدا عما يعتمل في نفسه، بعيدا عن غايته التي ينشدها، ويرغب في حماية نوع آخر من القراء، وهو النوع الذي يكتب إليه نجيب الكيلاني، هذا ما جاب بخاطري من إحساس من خلال أول رواية قرأتها له وهي رواية أو قصة “الإخوان المسلمين”يرغب في أن يوصل ما يهدف إليه إلى النوع الثاني من القراء الذي يحميه من النوع الأول الذي سار به بعيدا من خلال تلك الكتابة والأحداث والمواقف السطحية والعادية ومن خلال ذلك الإطناب وذلك التفصيل..

فنجيب الكيلاني من خلال ما قرأته من بعض رواياته ومن خلال ما استطعت التوصل إليه إنطلاقا من طرح بعض الأسئلة، خصوصا وأني لاحظت فرقا بين قصة “الإخوان المسلمين” وبين رواياته الأخيرة التي غزت المكتبات في الفترة الأخيرة…

ما الذي جعل نجيب الكيلاني يغير من أسلوب ومضمون وشكل كتابته للرواية سؤال راودني كثيرا إلى أن قرأت روايته “اليوم الموعود” فسألت ما الذي جعله يعود لأسلوبه ومضمونه وشكله الروائي الأول؟بل وما الذي جعله يعود إليه بهذه الصورة التي يعتريها نوع من الإحتشام في التصريح؟؟ ما الشيء الذي يحيط به ويجعله يتردد بذلك الشكل؟ صحيح أن الرواية أهم شيء يضفي عليها صبغة الجمال هو الرمزية والحديث غير المباشر!؟ ولكن التصريح الذي أقصده ليس هو ذاك الذي يجعل من الرواية مجرد سرد للأحداث ومواقف وردود أفعال من أطراف معينة، وإنما الذي أقصده هو ذاك التصريح الذي تصل إليه ولو اختفى وراء الكلمات والأحداث بطريقة تحس من خلالها أن الكاتب يخبرك بشيء يخفيه في صفحات روايته، يوصل لنفسك وذهنك شيئا مهما، وهو مطمئن -إن صح التعبير- بشكل مرتب لا تحس معه بالقلق والإضطراب..

هذه بعض الأسئلة وغيرها كثير،راودتني وأنا أنتقل من حدث إلى حدث، من موقف إلى موقف، ومن كلمة إلى كلمة في بعض رواياته.. جعلتني أحللها تحليلا متواضعا من خلال رؤية متواضعة لا تنم عن كبير تجربة، وجعلتني أصل إلى نتيجة واحدة وهي : أن نجيب الكيلاني في رواياته ينطلق من نقطة محددة في ذهنه، يطرحها وفق مخططه الشخصي : فهو لا يطرحها في بداية رواية من رواياته بل يضمنها كل رواياته -على الأقل في تلك التي اطلعت عليها- مع كل فصل يكررها بأسلوب مختلف عن الذي سبقه، يكتب ولكنه ليس من النوع الذي يكتب للجميع، صحيح الكل بإمكانه قراءة رواياته، ولكنه يقصد أن يقرب إليه نوعا خاصا من القراء، وفي الوقت نفسه يسعى إلى إبعاد نوع من القراء لحماية من يرغب في أن يجعل ذاته تنفتح عليهم بكل ما تحمله لأن نجيب الكيلاني ليس من النوع الذي يكتب عن قصة “حب صغير” أو عن “قصة بطة” أو عن “قصة إنسان متلهف على السجائر أو على صورة امرأة يسرع إلى تأملها كلما عاد من أعماله الشاقة بالجبل إلى زنزانته لأنها تنسيه آلامه…<فهو ليس من النوع الذي يكتب عن هذا كله وهو الذي كتب “قصة الإخوان المسلمين” وعايش ما شهدوه، وعرفت مرحلة من حياته قترات عصيبة حين ولوجه السجن فهو ليس من النوع الذي يكتب عن ذلك كله وعن غيره دون أن يجعل منه ظرفا يحوي رسالة مهمة لنوع خاص من القراء يخاطبهم غالبا بأسلوب وحدث وموقف وكلمة >ساذجة< ليقول : >لا تكونوا سذجا فالخطب عظيم<..

هذا تحليل متواضع حاولت أن أطرحه من خلال قراءات قليلة لبعض روايته، ولن أسميه دراسة تحليلية ولن أسميه نقدا فكلاهما يحتاج لبعد نظر ودراسات طويلة واطلاع واسع على أعمال نجيب الكيلاني الروائية… وهذا مفتقد فيما هممت بكتابته، ولكن سأحاول أن أسميه وقفات أو إطلالات لأن الوقوف عند أو على الشيء يقتضي إمعان النظر… وما قمت به كان عملية تلقف أو اقتطاف سريع، أو تطفل على عالم نجيب الكيلاني الواسع، …سرقة نظر سريعة استطاعت أن تترقب بعض ما يحدث في عالمه الروائي وأحداثه وشخصياته وردود أفعاله ولكن فاتها الشيء الكثير…

وكانت هذه إطلالة أولى من تلك الإطلالات.

إكرام الله

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>