العالم الإسلامي والنظام العالمي”الجديد”.


العالم الإسلامي والنظام العالمي”الجديد”.

الحوار السياسي بين الجماهير والنخب السياسية في عالمنا الإسلامي ممنوع أو في بداية الطريق..فالبرلمانات أو مجالس >الأمة < و>الشعب<و>الشورى< عبارة عن مجالس “معينة”بشكل رسمي وصريح أو هي في حكم المعينة بما يصاحب إيجادها من إقصاء حركات وتزوير إرادات و>استعانة< بالكمبيوتورات….

وقد وصلت أنظمة العالم العربي ـ الإسلامي إلى محطة الإقرار العملي بنتائج “مسلك” الصراع بين الجماهير المستضعفة والأقليات الإيديولوجية المتحكمة وهي :

ـ التبشير بدولة التجزئة المتولدة عن سايكس ـ بيكو، ونعي الوحدات الإقليمية (مجلس التعاون العربي، مجلس التعاون الخليجي، اتحاد المغرب العربي) فضلا عن الحلم القومي العروبي…

ـ إسقاط نموذج التنمية الوطني المستقل واستبداله بالإلحاق بالسوق “الدولية” “الحرة” عبر الخوصصة والشحاذة والإقتراض المشروط من المؤسسات المالية المعروفة … وإقامة السوق الإسرائيلية الشرق ـ أوسطية.

ـ إيصال مشروع تحرير فلسطين بلاءاته الثلاثة (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض) إلى نفق “غزة ـ أريحا” أولا … أي تحويل مشروع التحرير “العلماني” الشامل إلى مشروع إقامة بلدية “فتحاوية”.

ومع “البريسترويكا”وحرب الخليج توحد “الشمال” في مواجهة “الجنوب”…يقول ريشارنيكسون : >سوف يشكل المسلمون مخاطر كبيرة، وسوف يضطر الغرب إلى الإتحاد مع موسكو ليواجه الخطر العدواني للعالم الإسلامي…. وعلى الغرب أن يتحد مع الإتحاد السوفياتي ليواجه هذا الخطر الداهم بسياسة واحدة.

هناك صفتان أساسيتان يشترك فيهما جميع المسلمين في العالم الإسلامي : أيمانهم بالدين الإسلامي وعدم الإستقرار السياسي<(1) وكأن الإيمان بالإسلام مرادف للتطرف والإرهاب …حتى أن التقرير السنوي الصادر عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية يسمى المنطقة الإسلامية “بحزام النار الإسلامي” (2)  la ceinture de feu islamique .

إن “عدم الإستقرار ” المشار إليه بالبنان في واقع عالمنا الإسلامي لا يعدو أن يكون تعبيرا اجتماعيا عن عدم اكتمال دورة الإنبات المحلي لما زرعه رواد “النهضة ” و “الحداثة” وحرسته بكل قواها ميلشيات الإشتراكية والحزب الواحد والمؤسسة الأمنية في أرجاء وطننا العربي ـ الإسلامي بدءا بأتاتورك وانتهاء بسوهارطو مرورا عبر “التجارب”  البعثية والناصرية والبورقيبية … ويحاول “النظام العالمي الجديد” تحديد عمر هذا النَّبْت وصَبْغ زقوميته بمساحيق “الاستقرار” و”الاعتدال” و”الدمقراطية” و”حقوق الانسان” و”السلام” الخ… بل إن يسار الأمس بعد أن لفظته مواقع النضال التحرري الطويل النفس يبحث لنفسه عن موقع في هذه العملية قانعا بالهامش المخصص له في إثارة اللهجات والإثنيات والفولكلوريات وهياكل “المجتمع المدني” المحنطة ضد “الأصولية” و”الاسلاموية” و”الفاشية الخضراء” ودون القارئ الكريم ماأصاب القوم -كل القوم- من تعرية تامة بسبب محكات الجزائر وتونس ومصر والبوسنة وغيرها من الحالات التي أفرزت جبهتين لا ثالث لهما : جبهة المحافظة على الوضع القائم -statuquo- بالتمشيط والأحكام العرفية ومنع التجول والتعذيب والتطهير العلماني والعرقي… وهي جبهة النظام العالمي ووكلائه من المبشرين بجنة السوق الحرة والخوصصة وحقوق الإنسان… وجبهة التغيير والإصلاح لما أفسده الغرب خلال خمسة قرون من الغلبة في حلبة التاريخ ومانتج عن ذلك من دمار قد يحتاج إلى مئات الخبراء لتقييم حجمه وعمقه وامتداداته إنساناً وزمانا ومكانا…

وينقل ياسر عرفات عن لقاء تم بين حافظ أسد وجيمس بيكر قول الثاني للأول : >أنتم لماذا تتشددون في ترتيبات التطبيع مع اسرائيل] فقد انهزمتم في حرب الخليج، وتعرفون أن اسرائيل تستطيع أن تصل دمشق خلال ثلاث أؤ أربع ساعات بعد أن انتهى عمقكم الاستراتيجي يعني العراق]، أنتم العرب هٌزمتم، ليس الفلسطينيون والعراقيون هم الذين هزموا في حرب الخليج، بل كل العرب وعليكم أن تخضعوا لشروط المتصر الاسرائيلي الذي خطط لهذه الحرب بإتقان ودقة عالية، ونحن مهمتنا أن نحقق شروط اسرائيل< فأين تذهبون؟

وفي مدينة الرياض سأل أحد المسلمين محاضراً بوسنويا : >ماهي مشاعر المسلمين في البوسنة والهرسك عندما مرّ بهم يوم 5-1- 93م ولم يرصدوا أي تحرك من جانب الدول الاسلامية التي سبق وأعلنت ذلك التاريخ مهلة موجهة الى المجتمع الدولي؟..< وكان الجواب معبراً جداً : >لاتسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم< (3) … ولا يمكن ان نختم هذه المقتطفات والاشارات عن طبيعة وحقيقة النظام العالمي ” الجديد” دون أن نشير إلى وثيقة تاريخية هي عبارة عن رسالة اسرائيلية لأمريكا والعالم جاء فيها :

>الرب هو الذي منح شعب اسرائيل أرضه وأعاده إليها، نحن نقدر جهودك المبذولة لإحلال السلام بين اسرائيل وجيرانها العرب ولكن نتيجة ذلك التقدير نود أن نوضح لك علنا الأسس التي يستند إليها السلام وفق معتقداتنا وإدراكنا والتي دونها سيكون السلام كذبة واهية تجلب الحرب المريرة<(4)

وملخص باقي الرسالة أن تفاصيل وخصائص النظام العالمي الجديد تحددها اسرائيل وأتباعها في العالم وفقاً للمنظور الثوراتي -التلموذي وهو المنظور الذي استنفر “الشرعية الدولية” استنفاراً كاملا في قضية الخليج ويخط أمامها الخطوط الحمراء في قضايا البوسنة وكوسوفو وسنجق وكشمير وطاجكستان وناغورني- قرهباغ والشيشان والإينغوش وبورما فضلا عن قضايا الدمقراطية والانتخابات في الجزائر ومصر وتونس ودول الخليج واللائحة أطول من أن تسرد…

لقد أصبح العالم الثالث عموما والاسلامي منه خصوصا مجرد بلديات غربية، للأهالي فيها تصريف ماسوى الشؤون السيادية من تنظيم حركة المرور ومهرجانات السياحة ومجاري الواد الحار وطبع العملة السهلة أما شؤون السيادة وعلى رأسها طبيعة العلاقة العملية بالدين واللغة والتراث والتنمية وفلسطين والبوسنة… والوحدة والسوق العربية المشتركة… الخ فمن اختصاص أصحاب السيادة مؤسسي النظام العالمي الجديد فهم الذين يقررون… لهم الفيتو والحل والربط، ولنا الاحتفال بأعياد الجلاء والاستقلال. “فهل انتم منتهون”؟…

(1) ريتشار نيكسون -الفرصة السانحة، الترجمة الكاملةم ص 135، 136 دار الهلال.   (2) مجلة 82 ramses ص 44.

(3) مجلة سراييفو، العدد الخامس، يونيو 1993 ص 8. واليوم المذكور هو آخر مهلة أعطتها منظمة المؤتمر الاسلامي لحل مشكلة البوسنة أؤ رفع الحضر عن تسليح دولة البوسنة.

(4) رسالة من اسحاق شامير الى جمس بايكر منشورة في نشرة “صوت الانتفاضة” التي تصدرها جمعية المسلمين في اللورين ع22  -4-1991م.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>