الدلالة اللغوية والمدلول الفقهي للخمر


الدلالة اللغوية

والمدلول الفقهي للخمر

بقلم الدكتور أمل العلمي

أ) الدلالة اللغوية :

حسب إمام من أئمة اللغة الشيخ أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة 395 هجرية مؤلف “معجم مقاييس اللغة” : الخاء والميم والراء أصل واحد يدل على التغطية والمخالطة في ستر… ويقولون (دخل في خمار الناس وخمرهم) أي زحمتهم. و(فلان يدب لفلان الخمر) وذلك كناية عن الإغتيال. وأصله ما وارى الإنسان من شجر… والخمار : خمار المرأة. وامرأة حسنة الخمرة : أي لبس الخمار… والتخمير : التغطية.

ويقال في القوم إذا تواروا في خمرالشجر : قد أخمروا… يقال “استخمرت فلانا إذا استعبدته. وهو في حديث معاذ “من استخمر قوما “أي استعبدهم. (انتهى كلام بن فارس).

وقال الشيخ محمد مرتضى الزبيدي في معجمه “تاج العروس من جواهر القاموس” : “واختلف في وجه تسميته فقيل لأنها تخمر العقل وتستره وقال شيخنا (هو المروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه ومال إليه الكثيرون واعتمده أكثر الأصوليين).

قلت الذي روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه : (الخمر ما خامر العقل) وهو في صحيح البخاري…

وفي المحكم : (المخامرة : المخالطة) وفي المصباح : (الخمر إسم لكل مسكر خامر للعقل) (إنتهى كلام الزبيدي).

ولقد أسهبنا في هذا التحقيق اللغوي لكلمة “الخمر” التي شاعت ترجمتها ألى اللغة الفرنسية بكلمة “VIN” فلكي نوضح أن دلالة اللفظ العربي “الخمر” أوسع بكثير من دلالة مقابله الفرنسي “VIN” الذي يعني حسب معجم بول روبير : “المشروب المستغول من الحاصل من اختمار العنب”.

فمن شأن هذا التحقيق لكلمة “الخمر” أن يساعد على استجلاء معناها الفقهي وفهم مقصود المشرع بوضوح.

ب) المدلول الفقهي

ماذا يقصد الإسلام بلفظ “الخمر”؟

الجواب على هذا السؤال نجده ضمنيا في الحديث النبوي الذي أسنده أبو داود في سننه وأحمد بن حنبل في مسنده إلى ابن عمر : “كل مسكر خمر وكل خمر حرام”.

وفي الحديث الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم سائله عن البتغ (الخمر المتخذة من العسل) بقوله : “كل شراب أسكر فهو حرام”.

وفي حديث آخر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر.

واعتنت أحاديث غيرها بتعيين مفهوم “الخمر” :

-مثل الخمر من الشجرتين : “النخلة والعنبة” رواه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة.

-ومثل إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة. وإني أنهاكم عن كل مسكر”. (وهو من حديث النعمان بن بشير).

وأوضح عمر بن الخطاب في إحدى خطبه أنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء : العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل”

وحدد مفهوم الخمر بقوله : “كل ما خامر العقل”.

وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الجعة (حسب ما رواه أبو داود والنسائي).

والخلاصة، يمكن القول أن الخمر هي كل ما أسكر بغض النظر عن أصلها فقد تكون متخذة من الفواكه (كالعنب والزبيب والتمر والتين) وقد تتخذ من الحبوب (كالبر والقمح والشعير والذرة) أو من السوائل مثل الأشربة والإفرازات (كالعسل).

وجاء في تفسير بن كثير : “قال الإمام أحمد” حدثنا وكيع حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طعمة مولاهم وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا إبن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعنت الخمر على عشرة وجوه لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها” (رواه أبو داود وابن ماجه).

وهل بقي  لأحد أن يزعم ويدعي أن الخمر تباع في بلاد الإسلام وتروج “للأجانب”، والحديث الشريف واضح ولعنة الله بالمرصاد لمن يشجع تجارتها ويسهلها. وهل ثبت في التاريخ الإسلامي أن دولة الإسلام كانت تبيع الخمور للأجانب وتفتح لها الحانات؟!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>