أزمة التعليم …أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى


أزمة التعليم …أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى     بقلم الدكتورأمل العلمي.

في غياب المنهج التربوي القويم والقيم والأخلاق عن المجتمع الآسن الذي ساده الفساد وتداعت عليه معاول الدمار والتخريب من داخله وخارجه … فلاتستغرب من كثرة الجرائم وانحلال الأخلاق و … و … حدث ولا حرج. حتى أن المتأمل في مجتمعنا والمصلح الإجتماعي يحار بأي مشكل يبتدىء وأي موضوع يستوجب المعالجة السريعة ولو بالكلمة والقلم إن لم يكن له لا سلطة ولا حيلة في أمر اتخاذ القرارات وتجسيدها في الواقع المعيش لتغيير ما اجتمعت الأمة على فساده وأصبح حديث الجميع … لكن الأحداث تتسابق وتتلاحق بسرعة عجيبة وتطفو أحداث تلو الأحداث على الرأي العام فلا تترك مجالا -وهي تتراكم وتضخم أرقام الجرائم وانتهاك الحرمات والسطو والسرقة والإدمان وتعاطي المخدرات …-أقول لا تترك مجالاولو ليستنكر مستنكر … فعقولنا شلت وأصابها ذهول لهول ما نسمع وما نقرأ! …

بالأمس أخبرتني ابنتي بحادث”توقيف أستاذ عن العمل”بالمؤسسة التي تدرس بها لأنه “تطاول” على تلميذ أخل بنظام القسم أثناء الدرس وأراد معاقبته فطلب منه أن يخرج من الفصل … لكن التلميذ أصر بوقاحة على البقاء … وتشاجر مع أستاذه … وكانت العاقبة بالطبع على الأستاذ!… فهنيئا لنا بهذا الجيل المتفسخ الذي لا يوقر الصغير منه الكبير ولا يحترم التلميذ أو الطالب معلميه وأساتذته.

واليوم تنقل لي ابنتي بشيء من الذعر عن حادث اغتيال أستاذة من طرف تلميذها بطعنة سكين على حين غفلة و هي تزاول درسها بمؤسسة أخرى من العاصمة العلمية (ويا للأسف)!…

وأتساءل عن دور الوزارة التربوي ومنهجها … وهل تسهر الوزارة على تطبيق هذا المنهج في سلوك التلاميذ والطلبة داخل المؤسسات التعليمية وخارجها … أم هي تلقن وتبني ما تنسخه وتهدمه شاشة التلفزة المتمردة في قعر البيوت؟!…

لقد بينت دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أن الساعات الطويلة التي يقضيها الأطفال أمام التلفاز تتسبب في ارتفاع عدوانيتهم وميلهم إلى العنف… وأفادت هذه الدراسة أن الأطفال الأمريكيين في سن مابين (السادسة والحاديةعشرة يبقون أمام التلفزة بمعدل اثنتين  وعشرين ساعة أسبوعيا، وأنهم يشاهدون خلال الفترة التي تسبق التحاقهم بالتعليم الثانوي معدل ثمانية آلاف جريمة قتل على الشاشة، وهذا يؤثر بدون شك على سلوكهم ويوجههم نحو العنف.

لقد انسلخ هذا الجيل الصاعد من الحشمة والوقار بالإبتعاد عن الإسلام وأخلاقه في واقع المجتمع… وما الفضيلة ومكارم الأخلاق وكل الإعتبارات الخلقية والمعنوية بالأمر الذي يسترعي الإنتباه أمام التجرد من الثياب الحسي لهذا الجيل المتفسخ المستعجم والمتغرب والجانح. فمن المسؤول؟… الأب أم الأم المشغولان في البحث عن لقمة العيش ليل نهار(وهو هم فئة كبيرة من هذا المجتمع) فلم يجداوقتا لتربية النشىء، الذي أصابه الإحباط النفسي لما يراه من بطالة ومستقبل قاتم… ويتساءل عن جدوى الدراسة لحمل “شواهد” البطالة!… فلا يكترث لما قد يسبب طرده من المدرسة، ولا يأبه للإنذار الذي توجهه له إدارة المؤسسة فينعكس كل ذلك على تصرفه وعلاقته بالخصوص بالأستاذ… فلا ترغيب في التعليم ولاترهيب … إذ لا مستقبل…وأمام هذا وذاك يتكون حب الإنتقام من المجتمع وخصوصا من طاقم التدريس عند الطالب أو التلميذ الجانح الفاشل في الدراسة.

أجل إن هناك مادة تسمى”التربية الإسلامية” تدرس للتلميد في التعليم الأساسي لكن حصصها تتقلص، وبرنامجها يختزل، أو يؤدى بالطريقة غير المرغوب فيها أحيانا إذا لم تتوفر الشروط عند من يقوم بتدريس الأخلاق والعبادات. وإذا توفرت تلك الشروط فيواجه التلاميذ واقع مجتمعهم البعيد كل البعد عن المبادىءالإسلامية الأساسية بَلْهَ المثالية.

لقد فتحنا بيوتنا وصدورنا وعقولنا وكل جوارحنا لسلبيات الثقافة الغربية المنذرة بتفشي الجريمة وجنوح الأحداث والفسق والفجور.واعتقدنا بسذاجة أن ذاك هو التقدم. إن المجتمع الأمريكي والأوربي على الخصوص مجتمع لا يحتذى سلوكا وأخلاقا… إن الحضارة الغربية قامت على أساس مادي محض واستَوْفَت شروط نهضتها المادية، لكنها تعاني مشاكل اجتماعية وأخلاقية لا عد ولا حصر لها… فأمريكا تسجل رقما قياسيا في الجرائم وفرنسا في الإدمان الغولي (على الخمر){مما جعل المفكر ألكسيس كريل يقول عنها ما معناه أن من بين الدول المتقدمة نجد فرنسا أكثر استهلاكا للخمور وأقل تكوينا للحاصلين على جائزة نوبل!}. إذا كان هذا حال بعض القيم والأخلاق في أمريكا وفرنسا فإن الدول الأوربية الأخرى لا تكاد تختلف عنهما. فعن ابريطانيا مثلا نقرأ في الصحف أن المدرسات يتعرضن للإغتصاب من تلاميذهن!

والغريب في الأمر أن أمريكا تفطنت لسلبيات التعليم المختلط ويبدو أنها تتجه إلى إنشاء كليات للبنات فقط حسب هذا الخبر >أفادت إذاعة صوت أمريكا حديثا أن هناك اتجاها قويا لانشاء كليات جامعية خاصة بالبنات فقط جاء هذا بناء على طلبات من بعض الفتيات وأولياء الأمور والمسؤولين عن العملية التعليمية حيث ثبت تقدم المستويات العلمية للفتيات في التعليم غير المختلط< (عن جريدة المسلمون عدد 482-19/4/94)

فيا حبذا لو طبقنا مبدأ المدارس غيرالمختلطة كما كان الشأن سابقا ببلادنا… وياحبذا لو سلكنا بالقنوات التلفزية طريق الفضيلة والبرامج المفيدة للنشىء وتهذيب الأخلاق ودعم برامج التعليم بتخطيط وتأطير من وزارة التربية والتعليم ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية. فتقوم وزارة التربية والتعليم بجزء من واجبها التربوي.

ويا حبذا لواقتدينا في التعليم بالنظام الياباني!… فنستغل أوقات الأطفال والناشئة أكثر ما يمكن في اليوم الواحد وعلى طول السنة. وإذا لم نستطع أن نحذو حذو اليابان، فليت وزارة التعليم تضطلع بمسؤوليتها إزاء فترة العطل الطويلة الممددة على حساب السنة الدراسية إذ التعليم ينتهي عندنا عمليا في أواخر شهر مايو من كل سنة رغم أن البرامج تختزل اختزالا ولا تحرص المؤسسات على إنهائها. وإني أتأسف أنا وابنتي هذه السنة لأنها في عطلة قبل موعدها وهي  ترى أن معاهد أخرى للبعثة الفرنسية تزاول التدريس إلى آخر شهر يونيو. ومن بين مواد المقرر هناك أربع مواد لم تنه… من بينها مادة الفيزياء مع أزيد من ثلث المقرر (يضم الضوئيات)ودرسين لمقرر الكهرباء… وإذ أتحدث عن المؤسسة التي تدرس فيها ابنتي فإنها نسبيا أحسن إعدادية بالعاصمة العلمية!… وهذه الحقيقة يعلمها الجميع فهل لا حيلة معها؟… وهل التلاميذ والطلبة هم الذين يتحكمون بشيء من التواطؤ مع بعض أطر التدريس في تاريخ إنهاء التدريس عمليا؟

أليس من الممكن أن تتخذ الوزارة المسؤولة قرارا زاجرا في هذا الشأن؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>