ظاهرة العنف في الساحة الطلابية وكيفية علاجها
> بن عبد العزيز
كان العنف، الذي هو ماثل اليوم على مستوى الساحة الجامعية بأشكاله المتعددة ابتداء بالإستفزازات ومرورا بالمواجهات وتتويجا بالهجمات الشرسة التي تشنها بعض وسائل الإعلام المشبوهة، من السمات المميزة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله منذ تأسيسها إلى الآن.
وَكَوَّنَ هذا الحضور القوي للعنف، إضافة إلى عوامل أخرى ذاتية وموضوعية، الحجاب السميك الذي حال دون تطوير الإمكانات الذاتية للإتحاد الوطني لطلبة المغرب في أفق تحصين مكاسب الجماهير الطلابية والدفاع عن مصالحها بالتواجد النضالي الجاد والفعال.
وكان هذا الواقع بمثابة إفراز طبيعي لممارسات اليسار داخل الساحة الجامعية، حيث يعكس واقع الإنتهازية والحسابات الضيقة التي تحكَّمَتْ في المسار النضالي لأ و ط م منذ نشوئه إلى الآن. فمشاكل الطلبة كانت تناقش حسب الكسب المادي الذي سيجنيه الرفاق المناضلون، والدخول في أية معركة نضالية تكون مسبوقة بعملية البيع والشراء. فكان الإلتجاء إلى العنف وسيلة ضرورية للتصدي لكل من يحاول الكشف عن هذه الممارسات الخسيسة، وكان (العنف) بمثابة الحبل الذي يلقى عليه كُلَّ فشل أو إحباط.
فَهْمُ العنف الممارس من طرف اليسار، يمر إذن من خلال فَهْمِ الإديولوجية التي تغذيه والتي تؤمن بالعنف كأداة من أدوات الإقناع الموروثة من العهد البائد، هذا الفهم يمكننا من التمييز بين الإرهاب الذي تحركه عقلية الإقصاء، والدفاع عن النفس الذي يعتبر كرد فعل طبيعي.
والعنف الذي يمارس الآن في الساحة الجامعية ليس أمرا جديداً أبداً، لا، بل هو قديم قدم اليسار، وإذا كانت له من جدة فجدته تتمثل فقط في البواعث الدافعة إلى ممارسته.
فقد شكل العنف في بداية السبعينات وسيلة لتصفية الحسابات بين الفصائل المكونة آنذاك للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وارتكبت مجازر أشد ضراوة مما يرتكب الآن، خاصة والتاريخ شاهد على تلك المجزرة التي ارتكبت في حق الطلبة الإستقلاليين، حيث كانت التصفيات الجسدية هي الوسيلة المتبقية لدى اليسار في الحفاظ على الذات، وشهدت غرف الحي الجامعي عدة محاكمات يتم بعدها تنفيذ هذه الأحكام بنقل الضحية إلى غرف خاصة بالتعذيب.
إلا أنه بظهور الطلبة الإسلاميين في بداية الثمانينات انخفضت وتيرة الصدامات في إطار نفس المنظومة الإشتراكية، ووجهت شوكتها اتجاه الطلبة الإسلاميين باعتبارهم خطرا خارجيا يتهدد استمراريتهم جميعا إن لم يتحِدُوا ضده. وقد عانى الإسلاميون الأمرين من جراء الممارسات الإرهابية وكان هم الرفاق آنذاك هو الحيلولة دون تسرب الروح الإسلامية في صفوف الطلبة، فكانوا يقومون برشق المصلين بقنينات الخمر الفارغة، ونسف المعارض والمحاضرات التي تُنَظَّم من طرف الطلبة الإسلاميين، وكان هذا طيلة سنوات الثمانينات إلا أنه كلما زادت حدة الإضطهاد والقمع كلما ازداد الطلبة الإسلاميون شعبية وتعاطفا لدى أوسع الجماهير الطلابية. فما كان بيد الرفاق، أمام هذا الامتداد الإسلامي الكبير مقابل انحصارهم الإيديولوجي والعدمي، إلا التآمر المكشوف والتواطؤ المعروف فعملوا على خلق ذريعة طُرِدَ من جرائها الطلبة الإسلاميون من الحي الجامعي ومنعوا من دخول الجامعة إلا بتوبة وإقلاع عن العمل النضالي.
وامتد هذا البرنامج اليساري المتمثل في ماأسموه بالتصدي للمد الأصولي في الجامعة إلى بداية التسعينات، والتصدي لن يكون إلا بخلق معارك هامشية ومواجهات يذهب ضحيتها طلبة أبرياء، علاوة على ما تخلفه من أزمات نفسية ومادية تعاني منها عائلات الضحايا.
ولم يعد العنف منفصلا عن وسائل الإعلام التي يَعمل بعضها على تبرير الأعمال الإرهابية المقترفة في حق الطلبة، والتي شكلت ملاذا لبعض الفصائل العاجزة عن ممارسة العنف المادي لقلة عددها… لتفريغ مكبوتاتها العنفوية، والتنفيس عن أحقادها السوداوية ببث سمومها عبر بيانات مشبوهة ومقالات حاقدة واستجوابات استفزازية يتم من خلالها تحويل الضحية معتديا والمُعْتَدِي ضحية.
إزاء هذا الواقع المتجه بأ و ط م نحو منحدر خطير يشتد التساؤل حول طرق علاجه!!!
القضاءُ على مظاهر العنف في ظل فكر يُؤمِنُ بدكتاتورية البروليتاريا وسيادة العقلية الإقصائية أمرٌ مُسْتَبْعَدٌ!!! إلا إذا توفرت لدى مكونات الساحة الطلابية قناعات واستعدادات لإيجاد حل لهذه الأزمات فإن قنديل الصورة ممكن، وذلك بخلق جو من الحرية والديموقراطية من شأنه أن يؤسس أرضية الحد الأدنى من التواصل، تعمل على إيجاد صيغة لتنظيم العلاقة بين هذه المكونات وتعمل على بث أخلاق نضالية بخلق جو من التفاهم على أساس المناقشة والحوار… وهذا لن يتأتى إلا إذا كان هناك استعداد للتنازل، والتخلي عن بعض المواقف التي تكرس عقلية الهيمنة والإقصاء في أفق الإعتراف بمختلف مكونات الساحة النقابية بعدما اتضح أن تغييبها أمر غير ممكن.
وبهذا يكون الحوار هو النموذج والتوجه الأسمى للتفاعل بين مختلف مكونات الساحة الطلابية. ولن يتأتى ذلك إلا بحضور نية جادة في أفق إعادة الحركة الطلابية إلى مسارها الصحيح نحو تحقيق وحدة الحركة الطلابية.