بارقة بين التفتح والتفسخ


بارقة

بين التفتح والتفسخ

> الدكتور عبد السلام الهراس

إن كل أمة تنغلق على نفسها أو تكتفي بتغذية ذاتها من ذاتها دون أن تنفتح على العالم حولها إلا وتعرض نفسها للخطر لأنها تفقد عوامل التجديد والتكيف مع الخارج والإستجابة للظروف المتغيرة…

وفي نفس الوقت فإن كل أمة تنفتح على الخارج تفتحا لا يعرف الحدود ولا يلتزم بشروط ولا يراعي احتياجات الذات ولا طبيعتها ولا ما يجب أن يؤخذ وما يجب أن يرفض وما يجب أن يعدل إلا وتكون عواقبها أشد وخامة وخطورة من الأولى.

فالتفتح، كي يكون نافعاً ينبغي أن يكون منطلقاً من ذات محصنة بحضارة عريقة وحية ومتطورة ومتجددة تزود محيطها الذي تتغذى منه الجماعات والأفراد بمناعة وقوة وتنمي فهم القدرة على التمييز بين ما يُرغب فيه وما يُرغب عنه فلا يقع التفتح إلا على النافع في حين تُحارب وتطارد الشوائب والفيروسات والطفيليات التي تطرق الذات وتهاجمها محاولة اختراقها لافساد بنياتها وتلويث دمها وتقويض كيانها وشل مناعتها.

هكذا تفتحت اليابان على الحضارة الغربية فغذت عقولها بالعلوم والتكنلوجية مقلدة ثم مشتركة في الإيداع ثم منفردة بالتحدي في جل الميادين، لكنها لم تغير عاداتها وتقاليدها ودينها وأعرافها بل ماتزال إلى اليوم محافظة على مكانة الأسرة وقوتها، ومحافظة على نظامها السياسي الذي يحترم نفسه، ويحترم شعبه، ملتزما بتقاليده ودينه وأخلاقه.

لكن العرب تفتحوا على اوربا بعد الإستقلال فأخذوا عنها القومية، والليبرالية والديمقراطية والتحرر والعلمانية ثم تحولوا للأخذ من روسيا والصين الإشتراكية ودكتاتورية الحزب الواحد والثورية والتقدمية فصادروا الحرية وانتهكوا كرامة الإنسان واغتصبوا إرادة الأمة وبددوا طاقاتها وشغلوها بالحزازات والإحَن والبغضاء والشحناء، وصادروا أملاك الناس وحرياتهم وضمائرهم وملأوا السجون بالأحرار والمعارضين وراجت عندهم أسواق الجاسوسية والمخابرات والنفاق والتخلف وارتفعت أعواد المشانق كما نشط استراد حبال الشنق كما بددوا أموال الأمة في الدعاية والاشادة بالباطل وكل ما يخدم عبادة الأوثان والاصنام الحاكمة وأمعنوا في محاربة شرع الله…

ثم سرعان ما تنصلوا من ماضيهم القريب ودعواتهم الباطلة السائدة الى الآن ليعلنوا توبتهم وعودتهم إلى الليبرالية والى اقتصاد السوق والى احترام حقوق الانسان وفقا للمقاييس المطلوبة منهم، والى الديمقراطية، والى التعددية الحزبية، والى التنصل من الارهاب.

وقد أقاموا الدليل والبرهان على ذلك بمؤازرة اتفاقية غزة أريحا فكانت في ذلك الداهية والفضيحة.

وهكذا تمّ إقبال الذات المريضة على ما يضاعف أمراضها، وينهك قواها، ويجهز علي كيانها ويسارع بها الى دمارها وخرابها، ووقوعها في عبودية جديدة أذل وانكر من العبودية السابقة…

لقد ضيعوا الأمة في الأولى باسم الديمقراطية، وضيعوها في الثانية باسم الاشتراكية، والثورية، وهم يضيعونها اليوم باسم السوق الحرة والليبرالية والتعددية الحزبية والديمقراطية…

وبذلك نكون قد قطعنا منذ الاستقلال مراحل ثلاث :

المرحلة الأولى : تفسخ

المرحلة الثانية : تفسخ

المرحلة الثالثة : تفسخ…

فمتى ياترى نبدأ مرحلة التفتح كما بدأتها اليابان؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>