وزارة التخطيط الإجتماعي مقود التغيير في
> أحمد الفيلالي
وزارة التخطيط الإجتماعي وزارة جديدة في الحكومة السودانية، تهدف إلى إقامة مجتمع إسلامي وحضارة إسلامية في أرض السودان، وتعتبر هذه الوزارة أهم وسيلة لتحقيق أهداف المخطط الوطني الذي يمتد من سنة 1992 إلى سنة 2002، وتتمثل هذه الأهداف في >أن يكون السودان خير مجتمعات العالم النامي دينا وخلقا وثقافة ومعاشا وبيئة، وأن يكون المجتمع مستقلا عن السلطة في معظم حاجاته وسابقا عليها في مبادراته<. ولقد عين على رأس هذه الوزارة الشيخ علي عثمان (برلماني سابق). يحدد هذا الأخير خطة وزارته فيقول :
>ولما كان إعداد الفرد الصالح (أداة التغيير الإجتماعي وغايته) يستلزم العناية الكاملة بعقله (فكرا ووجدانا)، وبدنه، ثم بيئته ومجتمعه، فقد اتجهت خطة وزارة التخطيط الإجتماعي إلى تصحيح الإعتقاد حتى تقوم علاقة الفرد برب الكون من حوله على فهم سليم، يفضي إلى صراط مستقيم في إدارة شؤون الدنيا وإعمارها بحسبانها طريقا وزادا للآخرة.. ولهذا سيكون التركيز على الأمية : عقيدة وفقها وسلوكا محور خطتها الأول. وقد تحدد في هذا الإطار ما ينبغي عمله من أجل تنظيم شعائر الله وحسن إقامتها (صلاة وزكاة وصوما وحجا).. إننا إذ نسعى لتزكية المجتمع بأخلاق الدين وآدابه، نؤكد أن القاعدة الأصولية الثابتة عندنا هي أن “لا إكراه في الدين” وأن ليس ثمة مقصد خفي أو ظاهر لإكراه أحد عن دينه، أو قسره لاعتناق دين آخر، بل إننا لنوسع لإخواننا المسيحيين في الساحة ليشتركوا معنا في تهذيب المجتمع فيما يليهم بأخلاق الدين الحق، وليمارسوا شعائرهم في حرية وأمن وسماحة تأسيسا على القاعدة الأصولية الثابتة أيضا “لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين”.. وتطبيقا لهذا الموقف يتم اختيار شخصية مسيحية لتتولى إدارة الشؤون المسيحية في كنف الوزارة<.
ومن الناحية التنفيذية تعمل الوزارة على توجيه الجهاز التنفيذي والمنظمات الشعبية كاتحاد الطلاب واتحاد المرأة والنقابات والجمعيات… لتنزيل المخطط الإجتماعي على أرض الواقع، وأهم ما تم حاليا من أعمال نذكر مايلي :
1- الدفاع الشعبي : وهو جيش من المتطوعين ذكورا وإناثا، ينتمي إليه كل أبناء السودان من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. يهدف هذا الجهاز بعث الروح الجهادية في نفوس أبناء الشعب واندماج قوات الشعب في القوات النظامية العسكرية لتشكيل جبهة واحدة ضد أعداء وحدة الوطن وتقدمه وازدهاره. فهناك في كل المحافظات (العمالات) معسكرات للتدريب المتنوع، إذ يتدرب الشاب والشابة على حمل السلاح وكيفية استعماله، كما يتم تدريب هؤلاء الشباب على المهن المختلفة، تتمة ص …….2 >>> بالإضافة إلى تعليمهم وتفقيههم في دينهم، وتصل مدة التدريب إلى ثلاثة شهور. والدفاع الشعبي أصبح مدرسة يتعلم فيها الشباب الدين والصنعة والقتال.
2- محو الأمية : تعتبر حكومة السودان أن الأمية أهم عامل من عوامل التخلف والتبعية، وبناء الأمة وتنمية البلاد تقوم في الدرجات الأولى على تعليم الناس ومحو أميتهم، لذلك تم تحديد سنة 1996 كمحطة أخيرة في مشروع تصفية الأمية في السودان. والمقصود عندهم بمحو الأمية هو تعليم القراءة والكتابة وأمور الدين وربط التعليم بالإنتاج، أي محو الأمية الهجائية والدينية والمهنية. ولقد بدأت تأتي الحملة أكلها وبدأت بعض المحافظات تحقق نتائج مهمة، وعلى رأس هذه المحافظات محافظة أم كدادة التي تم تصفية الأمية فيها بنسبة 100%، وذلك اعتمادا على المجهودات الشعبية المحلية أساسا، إذ لم تساهم الحكومة إلا بنسبة 13% من النفقات.
3- التربية الدينية للمجتمع : بما أن الأساس الذي يقوم عليه البناء والتنمية في السودان هو الدين الإسلامي، فإنه لابد من تربية للمجتمع على مبادئ وخلق هذا الدين. وتوظف في هذا الإطار كل المؤسسات من وسائل الإعلام ومساجد ومدارس ومصانع ومصالح إدارية… ولقد تطور الأمر إلى إنشاء جمعيات متخصصة في تشجيع وتنظيم بعض الشعائر الدينية كقيام الليل وحفظ القرآن وصيام التطوع… كما أن المناسبات والأعياد الدينية يتم الإحتفال بها عن طريق إحياء معانيَها ومقاصدها، فذكرى مولد النبوي هي ذكرى للإحتفاء بالأيتام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد يتيما، وذكرى الإسراء والمعراج هي ذكرى لتعظيم شعيرة الصلاة …
4- تدعيم مؤسسة الأسرة : شعورا منها بأهمية وخطورة مؤسسة الأسرة تعمل الحكومة والمنظمات الشعبية على ترسيخ هذه المؤسسة وتدعيمها وتقويتها، وذلك عن طريق تشجيع الشباب على الزواج، إذ تنظم في كل المناسبات وفي مختلف المحافظات زيجات جماعية تقدم فيها المساعدات المادية للأسر الجديدة كبناء البيوت وتأثيثها وإقامة حفلات العرس الجماعي، كما تشجع الحكومة الإنتاج الإقتصادي للأسر المتمثل في مزاولة الأسرة لبعض الحرف داخل البيت، إذ يتم تعليم النساء بعض الحرف لكي تساهم موارد هذه الحرف في تحمل أعباء البيت، وتساهم كذلك في زيادة الإنتاج الوطني.
5- تقوية دور المرأة : بما أن المرأة تشكل نصف المجتمع السوداني فإن الحكومة تعمل على توعية المرأة بدورها الحضاري وإعدادها للقيام به في أحسن حال وبشكل فعال. لأجل ذلك تم إشراك المرأة في قيادة وتسيير مؤسسات الدولة، كما تم إنشاء اتحاد المرأة الذي يسهر على حملات التوعية والتكوين في صفوف النساء، كما تم تأسيس العديد من الجمعيات النسوية التي تقوم بنفس المهمة. وهكذا أصبحت المرأة السودانية تلعب دورا مهما في التنمية وفي الدفاع عن عقيدة ووحدة السودان، فتجدها منتظمة في معسكرات الدفاع الشعبي، كما تم تشكيل عدة كتائب جهادية نسوية تقوم بحراسة الصفوف الخلفية للجيش كما تقف مع الرجال في الخنادق في مواجهة المتمردين، وفي مدن الجنوب أصبحت المرأة تؤدي كل الخدمات نيابة عن الرجال الذين ذهبوا للحرب.
ولقد وصل الإيمان بعقيدة الأمة وبعدل القضية الوطنية (الوحدة الترابية) في نفوس الأمهات إلى أن يأتين بأبنائهن الصغار إلى معسكرات الدفاع الشعبي ولا يقبلن في رفضهم أي أعذار.
6- تعميم الرياضة للجميع : لإيجاد المواطن الصالح القوي فإنه لابد من تكامل وثيق بين مكونات الإعداد العقلي والوجداني وبين الإعداد البدني، لذلك كانت الرياضة جزء من منظومة التغيير الإجتماعي في السودان، ويهدف المخطط الحكومي إعداد حركة رياضية ذات مشاركة شعبية واسعة تحت شعار الرياضة للجميع، من أجل ذلك تم تأسيس وتنشيط عدة أندية رياضية في مختلف مناطق البلاد وفي مختلف أنواع الرياضات.
وحتى يتم إنجاح حركة التغيير الإجتماعي وتنمية البلاد بشكل متوازن عمدت حكومة “الإنقاذ” إلى تقسيم البلاد إلى 25 ولاية وإلى 78 محافظة. وهذا العدد الكبير للمحافظات يتناسب والتعددية التي يعرفها الشعب السوداني، “فالسودان أعقد مجتمعات العرب وإفريقيا” نظرا للتعددية العرقية والقبلية والدينية واللغوية التي يعرفها، إذ يتكون المجتمع من عشرات القبائل من أصول عربية (حوالي 40%) وحامية وبربرية وزنجية، تتكلم 115 لغة ولهجة. كما أن 70% من الشعب السوداني يدين بدين الإسلام و25% يعتنق الوثنية ، و5% ينتمون إلى الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية والأرثوذوكسية والقبطية والأثيوبية.
لذلك فإن دور المحافظ (العامل) في السودان أصبح يماثل دور رئيس الجمهورية، فعليه تقوم بالدرجة الأولى مهمة ومسؤولية التنمية والتغيير الإجتماعي، ولعل الكلمة التي ألقاها وزير التخطيط الإجتماعي في المؤتمر الثالث للمحافظين مؤخرا تلخص المواصفات والوظائف الموكولة إلى المحافظ، إذ يقول : >إن المحافظ هو في الأساس أداة الثورة في تغيير البشر، تغيير سلوكهم وعلاقاتهم، إنه نائب عن الإمام في حفز الأمة لفعل الخير.. إن مدخلنا للإصلاح مدخل ديني وهذا جوهر الدعوة الشاملة، لابد أن نكون عبادا صالحين إذا أردنا التمكين، والمحافظ يجب أن يؤم الناس للصلاة في المسجد قبل أن يقيم عمارة الأرض.. إن المحافظ يجب أن يكون دارسا للفقه، وهناك مداخل فقهية مختلفة لكل محافظة حسب ظروفها.. وأول هذه المداخل الصلاة وأثرها الإجتماعي مؤكد. وإذا كنا نتحدث عن الشورى فقد ارتبطت الشورى بواجبات أخرى “والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون”.. كل هذا ينبغي أن نربي عليه الناس، حتى تكون مشاركتهم مباركة وإيجابية، ونحن نسعى لإشراك الكل في إدارة الأمور، كل في مجال تخصصه أو في القضايا العامة.. والشورى إن كانت نافعة في استجلاء الأمور فإنها كذلك ترطيب للقلوب.. إن المحافظ مطالب بتحقيق كل هذا، ويجب أن يكون قدوة في تحمل المشاق التي تتطلبها الدعوة، ولا عيب إذا سمي هذا وعظا. لقد بدت مشروعات ومؤسسات مهمة، ولكن لا بد من التوسع فيها والإنتشار، فمؤسسات الشهيد والزكاة وإجراءات الزواج الجماعي، مفروض أن يحولها المحافظون إلى نظام حياة، وليس مجرد تحلية للإحتفالات. كذلك الأسر المنتجة والصناعات الحرفية، ينبغي أن تصبح منهجا محددا في التنمية وتخصصات توزع بين المنتجين بهدف الإعتماد على النفس في سد الضرورات.. ينبغي أن تعودوا الناس على احترام الوقت في العمل كما يحترمون مواقيت الصلاة، ويجب أن نجري حصرا لما حققناه فعلا بالجهود الطوعية وبالإمكانات المحلية خلال السنوات الماضية، حتى يكون تقييم المحافظين وفق معايير ملموسة<.
وهكذا أعطيت للمحافظين صلاحيات واسعة للتفاعل مع البيئات المحلية وللإستجابة للحاجات الحقيقية، فقام بعض المحافظين -مثلا- بتغيير أوقات العمل الإداري من 6 صباحا إلى 12 زوالا لتشجيع الناس على أداء صلاة الفجر وللزيادة في الإنتاجية كذلك.
وفي الأخير وبعد هذه الجولة الخفيفة في فضاء السودان الشقيق لا يسعنا إلا أن نقول كما قال الأستاذ عادل حسين : “إن ثورة الإنقاذ دفعت عملية الترابط والإندماج القومي خطوات هائلة وغير مسبوقة. فهناك أمة سودانية تولد من جديد، أمة موحدة صاعدة”.