مستقبل الجناح العسكري للمقاومة الفلسطينية
تتميز المقاومة الفلسطينية بتوفر كل تنظيماتها على جهاز عسكري تابع لها، واستخدمت هذه الأجهزة في مقاومة العدو الصهيوني بواسطة العمليات الفدائية التي تقوم بها بعض الوحدات، أو بواسطة الهجومات التي تشنها على قوات العدو انطلاقا من جنوب لبنان، كما استخدمت في الإقتتال الفلسطيني-الفلسطيني تارة، وفي الصراع الفلسطيني مع بعض الأطراف العربية(حركات ودول) تارة أخرى، ومع انطلاق مسلسل المفاوضات حول السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي والذي انتهى بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ بواشنطن في 13 شتنبر 1993، انقسمت المقاومة الفلسطينية إلى جبهتين متضادتين :
- جبهة مؤيدة للإتفاق وتضم أساسا حركة “فتح” وحزب الشعب (الحزب الشيوعي الفلسطيني سابقا)، وبعض الأحزاب الصغرى المنتمية للمنظمة.
- جبهة معارضة للإتفاق وتتكون من 10 فصائل منضوية فيما أصبح يعرف ب”التحالف الوطني الفلسطيني”، والذي شكل مؤخرا لجنة مركزية تتكون من 20 عضوا (عضوان من كل فصيل) -على أن تكون الرئاسة بشكل دوري- وسكرتارية دائمة مهمتها تنفيذ القرارات الصادرة عن القيادة وتضم عضوا واحدا من كل فصيل وتجتمع أسبوعيا. ويعمل التحالف لتحقيق هدفين هما : إسقاط الإتفاق وفكرة الحكم الذاتي، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس ديمقراطية اعتمادا على البرنامج والميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وانسجاما مع الموقف الذي اتخذته القيادات السياسية للفصائل الفلسطينية من اتفاق أوسلو، ستختلف استراتيجية ومجال العمل العسكري لجناحها المسلح.
جيش التحرير الفلسطيني ومقاتلي “فتح” :
يسمح الإتفاق للسلطة التنفيذية لمناطق الحكم الذاتي حق تشكيل قوة للشرطة تعوض القوات الإسرائيلية التي ستنسحب من المناطق ذات الكثافة السكانية العربية وإعادة انتشارها على نقط العبور وفي المستوطنات اليهودية التي سيتم تحصينها وإحاطتها بنظام أمني إلكتروني. وتجذر الإشارة إلى أن قوة الشرطة الفلسطينية لا تغطي سلطتها المناطق التي توجد بها المستوطنات والتي تشكل 40% من مساحة الضفة الغربية و 30% تقريبا من مساحة قطاع غزة، بعكس القوات الإسرائيلية التي لها الحق في مطاردة المطلوبين والمشبوهين داخل مناطق الحكم الذاتي دون ترخيص من قبل السلطة التنفيذية، كما أن الإتفاق في ملحقه الثاني نص على “إقامة لجنة تعاون وتنسيق فلسطينية-إسرائيلية مشتركة لأغراض الأمن المتبادل”.
وهكذا سيصبح مصير الجناح العسكري لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية المؤيدة للإتفاق هو ولوج أفرادها الشرطة أو جهاز الاستخبارات الفلسطينيين.
تتمة………….ص2
وللتذكير فإن منظمة التحرير كانت دائما تعرض ورقة “التحكم في الأوضاع الأمنية للأراضي المحتلة” مقابل منح إسرائيل السلطة لها على هذه الأراضي، وفعلا كانت هذه الصفقة هي جوهر مفاوضات السلام. وفي هذا الإطار يقول إسحاق رابين : >أفضل أن يقوم الفلسطينيون بحفظ الأمن في غزة، والتصدي للمخربين وملاحقتهم… إنهم أكفأ منا في هذا العمل حيث لا توجد عندهم محاكم ولا استئناف<، كما أن الإتفاق يلزم السلطة الفلسطينية محاربة المعارضين، بل ويلزم جهاز الإستخبارات الفلسطيني التعاون مع جهاز “الشاباك” الإسرائيلي (الجهاز المتخصص في ملاحقة الوطنيين والتنظيمات الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة) من خلال لجنة التنسيق العليا المشتركة التي ستتخذ مقرا لها في غزة.
الملاحظ في تصريح رئيس وزراء الكيان وفي نص الإتفاق أن التركيز الأمني سيكون على قطاع غزة لكونها المعقل الرئيسي للقوى المعارضة للإتفاق وخصوصا الحركة الإسلامية.
وينبغي التنبيه إلى أن القيادة المتفذة في منظمة التحرير غير مجبرة على هذا التعاون الأمني، بل إن هذا الأمر أصبح عبارة عن اقتناع ومبدأ تعمل المنظمة على تنزيله على أرض الواقع من خلال تمكينها من قوات الشرطة، والتصريح الآتي لنزار عمار مسؤول جهاز الإستخبارات الفلسطينية يؤكد ذلك بالملموس : >يجب أن يكون هناك تنسيق بين المخابرات في كلا الدولتين.. توجد لها الآن مصالح مشتركة.. وكل ما يمس بالأمن العام والسلطة التنفيذية ستتم معالجته وفقا للقانون، ولن تكون المعالجة من خلال القمع والضرب فقط بل إننا نتحدث أيضا عن معالجة جذرية للمشكلة الإسلامية من الناحيتين الإقتصادية والسياسية.. وكل من يعمل من خلال أساليب العنف سنقوم بمعالجته في إطار التعاون الأمني<.
ونظرا لأهمية الشرطة الفلسطينية قرر وزير الشرطة اليهودي موشيه شاحل الحضور بنفسه في المفاوضات الخاصة بهذا الموضوع لتقديم >توصيات جادة وملزمة للشرطة الفلسطينية<(كما جاء في تصريح له للصحافة).
وحتى تتمكن المنظمة من تنفيذ مخططها فإنها تطالب بأن يصل حجم قوة الشرطة إلى 30 ألف رجل (بدون احتساب الإداريين)، وهو رقم يفوق عدد ماوصلت إليه قوات الإحتلال الموزعة مابين الضفة والقطاع قبل الإنتفاضة، إذ لم يكن يتجاوز 10 آلاف رجل، كما أن مجموع رجال الشرطة في الأراضي المحتلة سنة 1948 لا يتجاوز 17 ألف رجل، رغم الفرق الشاسع بين عدد سكان ومساحة كل من هذه الأراضي والأراضي المحتلة بعد حرب 1967 (قطاع غزة والضفة الغربية) فهل سيقبل الجندي الفلسطيني والفدائي المنتمي لحركة “فتح” أن يتحول من مقاتل في سبيل تحرير فلسطين.. كل فلسطين.. من النهر إلى البحر.. ومن الشمال إلى الجنوب.. إلى محارب لأكثر من نصف سكان الضفة والقطاع الذين يؤمنون بالتحرير الشامل ويعملون من أجله؟؟