جزائر الإمتحانات


جزائر الإمتحانات

بانتهاء سنة 1993، تكون المرحلة الإنتقالية للمجلس الأعلى للدولة في الجزائر قد انتهت، وجُرْحُ هذا البلد لم يندمل بعد، وظل الأمل معقوداً عند الجزائريين ومُحبِّيهم على لجنة الحوار الوطني، التي تأسست منذ 13 أكتوبر 1993، والتي بدأت جملة من المشاورات واللقاءات مع القوى السياسية والثقافية والفكرية والجمعيات والمنظمات وبعض الشخصيات الوطنية، في سبيل اعداد أرضية وفاق وطني يلتقي حولها الجميع.

ومنذ الوهلة الأولى عبرت كل الفعاليات السياسية عن ترحيبها بهذه الخطوة في اتجاه رأب الصدع وجمع الشمل، بما في ذلك الأحزاب الكبرى الفائزة في الإنتخابات الملغاة. وإذا كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في شخص ناطقها الرسمي رابح كبير قد قبلت الحوار بشروط خمسة -كما نعلم- فإن حزبي جبهة التحرير الوطني، وجبهة القوى الإشتراكية قد ربطا حضورهما في الندوة ونجاح الحوار بتهيئة الجو السياسي والأمني، والذي لن يتأتى إلا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وبالخصوص سجناء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ليتم بعد ذلك العودة إلى الشعب ليختار من يمثله عبر اقتراع حر ونزيه.

وفي الوقت الذي ظلت فيه مطالب الجبهات الثلاث -الإنقاذ، التحرير، القوى الإشتراكية- السالف ذكرها، حبيسة الوعود والنوايا، ولم تجد طريقها إلى التطبيق، تابعت لجنة الحوار سلسلة لقاءاتها مصحوبة بتصريحات حكومية موجهة إلى الكتلة السياسية الرافضة للحوار مُحَمَّلة بالتهديد والوعيد تارة، ومحذرة من سوء عاقبة موقفها هذا على                                                تتمة ………….ص2     المستوى السياسي (ديكتاتورية عسكرية) وداعية في الآن نفسه إلى عدم تفويت هذه الفرصة لإنقاد الجزائر من وهدة التخلف والمصير المجهول.

ورغم تأكيد الحكم في الجزائر، على أن الحوار يبقى الحل الأجدى والأنسب، فإنه لم يضمِّن مشروع أرضية الوفاق الوطني، الذي أعدّته لجنة الحوار، أيّ جديد ينبئ عن تجرد كامل واستعداد كاف للخروج من مأزق حرب أهلية لا يزيدها التلكؤ والتماطل إلا أُوّاراً وتأججا في انتظار انفجار محقق الوقوع.

ومع غياب أهم الحساسيات الفاعلة على الساحة في الجزائر، عقد المجلس الأعلى للدولة مؤتمر الوفاق الوطني خلال يومي 25 و26 يناير 1994، للعمل على تعيين رئيس جديد للجمهورية ونائبين له، وبرلمانا يضم 180 عضواً، لمرحلة انتقالية أخرى تمتد ثلاث سنوات حسب مشروع “أرضية الحوار الوطني” المقدم للإحزاب والجمعيات والمنظمات.

إلا أن قوى التزوير والتزييف أبت مرة أخرى إلا أن تُفشل كل المجهودات المبذولة في هذا الإتجاه -رغم تواضعها- حيث طلعت بمسودّة جديدة تعدل من الصيغة الأولى لمشروع “أرضية الوفاق الوطني” والتي كانت تنص على :>أن الرئيس ونائبه أو نائبيه يتم تعيينهما بالإجماع في ندوة الوفاق الوطني وباقتراح من مكتب الندوة بعد استشارة السلطة وأطراف الحوار<.

أما الصيغة الجديدة، فتشير إلى أن المجلس الأعلى للأمن هو الذي يعين “رئيس الدولة”، وهذا الأخير، يختار من يساعده في مهامه (نائباً أو نائبين)، مما يؤكد بأن الحكم لم يكن يُعِدّ لتحقيق الإجماع الوطني للخروج بالجزائر إلى شاطئ النجاة، بقدر ما كان يخطط لوأد الحوار في مهده والدفع بها إلى هاوية الحرب الأهلية.

وقد عصف، هذا التصرف، بكل الآمال المتبقية، وأُعلن رسميا عن فشل الندوة بانسحاب مَن بقي مِن الأحزاب والجمعيات والمنظمات بما في ذلك المناصرين للسياسة المتبعة.

ولم يتم بالتالي لا تعيين رئاسة الدولة ولا تحديد مواصفات المرحلة الإنتقالية أو مدتها، والأبلغ من ذلك والأهم وهو تحقيق حد أدنى من الإجماع الوطني، بإمكانه منح النظام شرعية سياسية في غياب الشرعية الدستورية التي لا يمكن أن تتوفر إلا بانتخابات رئاسية وتشريعية.

إن مشكلة الجزائر الآن، هي افساح الطريق للإنسان الصالح المختار بإرادة شعبية، والذي يعيش عصره، وتحولات وتطورات الشعب والمجتمع الجزائريين، حضاريا وثقافيا وسياسيا…، في ظل تطور عام على المستوى الدولي والأقليمي.   وإلى حين، ظهور هذا الإنسان، تبقى الأيام القادمة حبلى بالجديد من الأحداث عِلمُها في طي المستقبل.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>