العمل الإسلامي، الغايات والوسائل


العمل الإسلامي، الغايات والوسائل

إن المقصود بالعمل الإسلامي مجموع التحركات التي يقوم بها أهل الدعوة الإسلامية لبيان الدعوة إلى الله وشرحها وإيصالها إلى الناس واستغلال كافة الوسائل الشرعية لتحقيق ذلك، والدعوة إلى الله أو العمل الإسلامي واجب شرعي لنشر دين الله ومحاربة الضلال والفساد والمنكر والأمر بالمعروف وإقرار الحق والعدل الذي قامت به السماوات والأرض، ويَقتضي العمل الإسلامي من العامل الفهمَ والعلم في فقه الدين وفقه الدعوة وفقه الواقع.

والعمل الإسلامي له غايات يهدف إلى تحقيقها ووسائل يستعملها لبلوغ الغايات، وتتطور الوسائل بتطور العصر والواقع.

ولعل أبرز غاية يسعى إليها العمل الإسلامي هي إعادة صياغة الشخصية المسلمة العابدة، العاملة، الواعية، المؤثرة، القائمة بالقسط والآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.

إن أهم سمة تطبع العمل الإسلامي أنه يتخذ غايةً له بناء الشخصية المسلمة وهو أمر في غاية الأهمية والصعوبة والخطورة وهو أهم الأمور على الإطلاق لأنه يهدف إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور وتعبيد الناسِ لله وحده. لقد أصيبت الشخصية المسلمة بتصدع خطير وأصيب العقل المسلم بكسور، فصدّه ذلك عن المضيّ إلى غايته وحال بينه وبين أداء رسالته، وأصبح أبرز هدف أمام هذه الأزمة هو إعادة البناء وإعادة التشكيل وإعادة الصياغة، وتربية المسلم لمنحه القدرة على العطاء والحماية من الانكسار.

بناء الرجال وتحصيل النقلة المطلوبة في حياتهم على مستوى العقيدة والفكر والمجتمع والحضارة قاطبةً هو أهم مطلب تسعى إليه الدعوة ويسعى العدو إلى المباعدة بين الشخصية المسلمة بفطرتها الموحّدة وتاريخها المجيد وحضارتها الزاهرة، وبين العودة إلى تلك الحضارة والإمساك بزمام الأمور ويُعِّد لتلك المباعدة كل عُدّة فيُغْرِق المسلم في سنين عديدة من التخلف والتراجع. ولكن الطريق إلى إعادة وضع المسلم في المسار الحضاري هو إقدار عقله على استيعاب المضامين والمعطيات والآفاق التي جاء بها الدين، وجعل هذه المضامين حية تعيش في هذا العصر.

وأبرز الغايات التي يسعى العمل الإسلامي إلي تحقيقها هو العودة إلى الأصول فَبِهِ يتم السبق الحضاري ومسابقة الأمم والإبداع، وتمكين المسلم من انتمائه الفعلي إلى الإسلام وإفهامه أن الانتساب إلى هذا الدين هو الموافقة على الدخول في عمل مخطط مرسوم هو العمل الجماعي المبرمج (الإسلام)، والاقتناع بحيثياته (الإيمان)، ويقظة الضمير المتوهج (التقوى)، والرغبة العميقة في الإتقان والإبداع (الإحسان).

إن الحركة الإسلامية في حقيقة الأمر حركة صوب الوفاق مع نواميس الكون وقوانين الطبيعة، لقد زاغت جماعات الناس عن الناموس فجاء الإسلام بمفهومه الشامل لكي يعيدها إلى الانتماء والوفاق ويُجَاوز بها مواقع الاصطدام التي تفتت الطاقة وتضعف فاعليتها، إلى الانسجام مع السنن والنواميس.

ومن الغايات التي يسعى إلى تحقيقها العمل الإسلامي تحقيق النقلة النوعية على كافة الأصعدة، وأُولى النقلات النقلة في التصور والاعتقاد بتحويل التوجه الإنساني من التعدد إلى الوحدة، ثم النقلة في المعرفة (أو النقلة المعرفية) وحركة التحول المعرفي أول ما جاء به الدين (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وتكررت الدعوة إلى التدبر والتفكر والتعقل والتفقه، والقرآن الكريم مليء بمادة قرأ وفكر، وعقل وتدبر وفقه ونظر وبصر، ثم النقلة في المنهج ولها أثر خطير في حركة الإنسان الفكرية ولهذه النقلة اتجاهات ثلاث هي السببية وهي ربط الأسباب بالمسبَّبات، وقانون حركة التاريخ وهو أن التاريخ البشري لا يتحرك فوضى وإنما تحكمه قوانين كقوانين الأشياء والطبيعة، ومنهج البحث التجريبي حيث نادى القرآن الكريم إلى التبصر بحقيقة الوجود عن طريق النظر الحسي والاستدلال بالتجريب.

أما وسائل العمل الإسلامي فهي متعددة ومتشعبة وعلى رأسها :

1- التخطيط والبرمجة للعمل الإسلامي وتحديد الأهداف القريبة والبعيدة، والإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف، والوسائل اللازمة. ففكرة التخطيط سمة من سمات العصر المتطور ووسيلة من وسائل التقدم ويتضمن التخطيطُ التخطيطَ للحاضر والمستقبل ويمنح فُرصَ التفكير المنهجي ذي المدى البعيد ويشجّع على أسلوب الاحتياط من نشوء المشكلة والتّصدّي لها قبل نشوئها بوضع استراتيجية للحلّ، لا حلّ المشكلات بعد نشوئها.

2- استنفار الطاقات الإسلامية في مجالات العلوم الإنسانية وذلك لصياغتها صياغة إسلامية، وتصفية التراث الإسلامي وتنقيته مما علق به وتبسيط صياغته ليكون في المتناول.

3- وهناك وسيلة أساسية لا محيد للعمل الإسلامي عنها وهي وسيلة التعبير عن الفكر والعقيدة باعتبارها وسائل إعلامية يستفاد منها لإيصال ما يريد العمل الإسلامي أن يوصله. إن وسيلة الكلمة استطاعت أن تحقق نجاحاً كبيراً جعلها تتحكم في أفكار الناس ومشاعرهم وميولهم وثقافتهم ومعتقداتهم.

إن وسيلة الكلمة أو وسيلة التعبير كائن فاعل حي ومؤثر (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة…) (إليه يصعد الكلم الطيب…)، وفي الحديث (والكلمة الطيبة صدقة).

4- وأبرز الوسائل في بناء الرجال وخدمة الإسلام وسيلة التربية وهي طريق إلى تلقين المسلم مبادئ الإسلام وفقه الدعوة إلى الله وطرق العمل الإسلامي الشرعي، وتتميز التربية في الإسلام بالأصالة وتكريم الإنسان وهديه إلى اكتشاف إنسانيته التي كرمه الله بها، كما تتميز بالفاعلية والإيجابية والتأثير، وبالشمولية والتكامل فتجمع بين المحسوس والروحي، وبالتوازن، وهي خصائص دفعت بالمسلمين إلى طرق أبواب المعرفة بأنواعها ولم يقتصروا على علم دون آخر، كما تتميز التربية الإسلامية بالأخلاقية والربانية، والأخلاق أو الالتزام الأخلاقي أهم ركيزة في بناء الشخصية الإسلامية.

والتربية سنة من سنن التّلقّي والتّعلم بدأت بتلقي محمد صلى الله عليه وسلم الوحي من ربه ثم استمرت بتلقي الصحابة منه (ص)، ثم تلقى من الصحابة رعيل بعدهم واستمر الأخذ والتلقي والتربية إلى اليوم… والمتلقي يأخذ عن العلماء الصالحين العاملين الذين يصلحون أن يُقتدى بهم.

لذلك لا بدّ من إعداد الشباب المسلم وتربيته ووضع البرامج الكفيلة لإعدادهم وتكوينهم لكي يكونوا أسوة لغيرهم ويَصْلُحَ جَسَدُ الأمةِ بصَلاَحِهِمْ.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>