الصومال : ” العمل الإنساني ” في عرف الغرب .


الصومال : ” العمل الإنساني ” في عرف الغرب .

محمد رضوان

تحت شعار ” اعادة الامل في الصومال ” قامت الأمم المتحدة بمباركة امريكا والدول الغربية، بإنزال جنودها المقدرين باكثر من 30000 جندي مصحوبة بقوة دمارها، من اسلحة وعتاد حربي، لوقف الحرب الاهلية الدائرة بين الفصائل المتناحرة في هذا البلد، والتي اتت على الاخضرواليابس ، فمزقت الشعب، ودمرت اقتصاده، وعمت الفوضى والاضطرابات وهددت المجاعة آلاف السكان-في اكبر عملية من ” عملياتها الانسانية ” تحدثت بسيرها الركبان، ولايفوت الامم المتحدة في هذه الحال، أن تطالب الدول العربية والاسلامية بالمشاركة فيها-استفادة من دروس الماضي (العراق مثلا)- توريطا لها، وإرباكا للوضع العربي والاسلامي، وزيادة توسيع الشقة بين دوله من ناحية، ووضعها على خط المواجهة في المعركة، تحت طائلة ذرائع شتى، من بينها اقتدارها الحربي على الارض وفي الصحراء من ناحية أخرى، فيما يوكل امر العمليات الجوية الى الجنود الغربيين الذين لايترددون في سحق الكل كلما واتتها الفرصة. والامثلة في هذا المجال متعددة وكثيرة، لمن يعتبر، وبالخصوص درسي العراق والصومال، والجبهات التي شغلها جنود الدول الاسلامية، رغم تحفظ حكومات هذه البلدان من أن مهمة قواتها ليست عسكرية بالاساس. أما في الصومال فالامور كانت أوضح بكثير، فالباكستانيون

والمغاربة ذهبوا ضحية استفزازات الجنود الامريكيين للقوات الصومالية، التي فرض عليها إباءها وكرامتها ووطنيتها التعالي عن المشاكل الداخلية، لمواجهة الخطر الاجنبي المغلف بثوب المشروعية الدولية و” العمليات الانسانية ” لتحقيق أهداف غيرمعلنة ومخطط لها سلفا.

وفي الوقت الذي اوجدت الامم المتحدة العتاد والمال والرجال وحتى الغذاء لوقف التطاحن بين الجماعات المسلحة، وإنقاذ الصوماليين الجوعى الذين يموتون يوميا باعداد كبيرة، كانت قد اعتذرت قبل ذلك في البوسنة والهرسك بدعوى عجزها المالي وعدم استجابة الدول الممثلة في المنظمة، لطلبها بمدها بجنود إضافية، والتي عانت الأمرين وكابدت المشاق والصعاب في مواجهة أعتى صليبية عالمية في العصر الحاضر، تحت حصاردولي شامل، لاينبئ إلا عن كخطط عالمي صهيوني يرمي إلى إبادة الملمين المتواجدين باوروبا، بارتكاب ابشع الجرائم من قتل وتشريد واغتصاب لملايين السكان، فدمر الانسان ودمر معه معالم الحضارة الانسانية، تحت سمع وبصر كل المنظمات الدولية الحقوقية والانسانية، في زمن وجد فيه من ينادي بحقوق الحيوان!!.

فاين هي انسانية الامم المتحدة التي رفعت رايتها في كثيرمن المحافل ؟ ولازال سكان البوسنة والهرسك ، الى اليوم وبعد ان مرّ على الغزو اكثر من 21 شهرا يتقطعون كمدا وحسرة، ينتظرون الموت المحقق بين اعلان لوقف اطلاق النار، واختراق له، وبدء

تتمة الموضوع في الصفحة: 2 >>>>>

للمفاوضات، وفشل لها، وإبقاء عليها. لفرض المخطط الصليبي القاضي بتقسيم البوسنة والهرسك إلى 3 جمهوريات عرقية بغض النظر عن قانونيته وشرعيته، وذلك إملاء لشروط المنتصرعلى المنهزم.

فأين هي الشرعية الدولية!!

غابت الانسانية في البوسنة، وحضرت في الصومال! ولكن لماذا الآن؟

واين كانت الولايات المتحدة الامريكية والامم المتحدة بعد أن سقط الآلاف من القتلى والجرحى دون أن يتحرك ضميرها الانساني؟ وماالذي حرك مشاعرها الآن؟ وماسر هذه الإلتفاتة في هذا الظرف بالذات؟.

فلقد عودتنا الامم المتحدة ومن ورائها أمريكا دائما، فن ادارة الحروب ومراقبة تطوراتها عن بعد، مهما بلغت درجة ضراوتها ودمويتها، معتبرة إياها مشكلا داخليا يمنع حله ولو بالقوة من طرف اي كان ولو كانت منظمة دولية ل” حل النزاعات ” والمحافظة على ” الأمن العالمي ” مكتفية بالدعوة إلى وقف إطلاف النار وحل المشكل بالوسائل الدبلوماسية، وعاملة في الآن نفسه، وبطرق غير مباشرة، على تأجيجه والحيلولة دون التوصل إلى حل مادام لايهدد مصالح أهل القرار في المنظمة العالمية. فما موقع الصومال في خريطة المصالح الغربية الآن؟.

تبلور هذا الموقف:

- في ظل التحولات التي عرفها ويعرفها القرن الافريقي، الذي بدأت عروش أنظمته البائدة تهتز، والدور الذي أصبح يقوم به الحكم في السودان وتحركاته في المنطقة انسانيا وأمنيا، والذي فهم منه الغرب أنه تضييق من سلطته وتعد على صلاحياته وتهديد لمصالحه ولمصالح المتعاونين معه من الحكومات

- اشتداد الصراع في الصومال بين الفرقاء المتنازعين على السلطة بعد تنحية سياد بري وطرده خارج البلاد ، وظهور بعض القوى الجديدة على مسرح الاحداث كالتحالف الوطني الصومالي بقيادة الجنرال محمد فرح عيديد، الذي لايطمئن إليه الغرب، والخوف من اختمال تقارب بينه وبين النظام السوداني.

- الخوف على الجيوب المسيحية العميلة لها في المنطقة والمبثوثة منذ الاستعمار لاستخدامها كمعبر إلى المنطقة تحت ستارشعارات شتى: ” حقوق الانسان “؛ ” عمليات الاغاثة “…ترفعها الدول الغربية وتصادق عليها الامم المتحدة ويشرع في تنفيذها مغلفة بغطاء الشرعية الدولية.

استغلت إذن الدول الغربية بقيادة أمريكا، الحرب الدائرة في الصومال بين الفرقاء السياسيين المتنازعين على السلطة، والمجاعة التي تهدد السكان في هذا البلد الفقير، فدخلت الى الصومال ،تحت يافطة ” العمل الانساني ” وايقاف الحرب الاهلية، والدفع في اتجاه التوصل الى حل سلمي يرضي المتصارعين. إلا أن ما تاكد هو انها كانت تعمل على جلب انصار الحكم السابق وتسليحهم ومساندتهم ضد الشعب الصومالي، الذي تصدى لهذه المؤامرة الاممية بكل ماأوتي، رغم ضعف تسليحه وقلة عدده خصوصت في المنطقة التي يسيذر عليها التحالف الوطني الصومالي، حيث دارت معارك طلحنة استعملت فيها القوات الاممية الطائرات والدبابات، ضد افراد الشعب العزّل، وسقط الكثير من الضحايا أغلبهم من النساء والاطفال والعجزة، بلغ ما مجموعه 12 الف قتيل.

وقد حرصت الامم المتحدة في الوقت نفسه على ألا يتوصل إلى حل بين الجماعات المتصارعة على الساحة، لا تكرن طرفا فيه. وتمكن الصوماليون مع ذلك من تحطيم مقولة ” الدولة التي لاتقهر ” ، فتكبدت امريكا خسائر فادحة في الارواح والعتاد مؤكدة أن قوة الايمان والتماسك فوق اي قوة اخرى مهما كان عددها وعدتها. واعلنت استسلامها وانهزامها ، ومتراجعة بالتالي عن مخططاتها المعلنة منها والخفية وقررت أخيرا سحب جنودها من الصومال في أجل لايتعدى 31 مارس القادم.

ولن يهدأ للغرب بال إلابإعادة ترتيب بيت القرن الافريقي على الشكل الذي يرضاه، وذلك بالدعوة الى عقد مؤتمرات إقليمية ووطنية للمصالحة تأخذ بعين الاعتبار مصالحه. وما تراجع الغرب وانسحابه إلا لابتكار خطة جديدة للغزو أكثر دقة وعمقا، وفي هذا الاطاردفعت الامم المتحدة مؤخرا منظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية للقيام بالاتصالات الضرورية في أفق الوصول إلى حل نهائي للنزاع في هذا البلد، في أجل لايتجاوز شهر مارس من السنة القادمة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>