مناهج الإصلاح بين العنف والسلم


مناهج الإصلاح

بين العنف والسلم

الحياة في كل مكان وزمان مدخلات تتفاعل لينتج عنها مخرجات تكون ثمار الحياة وجناها في ذلك الزمان، ثم لا تلبث هذه المخرجات أن تكون بدورها جزءا من مدخلات كثيرة تتفاعل لترتقي بالحياة الى مستوى أعلى، وأحيانا تهبط الى مستوى ادنى حسب المدخلات الطارئة الاخرى ومدى فعاليتها، وهكذا الحياة في حركة دائمة، وفي تغير مستمر، والانسان من أهم مدخلات التغيير والتطور نحو الافضل المأمول، أو نحو حالة جديدة غير مرغوب فيها، فالتغيير سنة من سنن الله تعالى في الحياة والمجتمع، والتغيير في الحياة والمجتمع مرتبط بما في النفوس من دوافع وما ترمي إليه من أهداف، قال تعالى : >ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم<.

ومناهج الاصلاح والتغيير سعيا نحو الافضل من منظور اسلامي، ينبغي أن تكون ضمن الضوابط الشرعية، وضمن السنن الكونية والاجتماعية التي أودعها الله تعالى في هذا الكون وفي النفس الانسانية، ومن غالب نواميس الكون والسنن الالهية، وتلكم هي المحطة الأولى في فهم طبيعة التغيير السليم، والاصلاح الموفق.

والتغيير في المنهج الاسلامي لا يصاحبه العنف، ولا يتبنى كبت الحريات، ولا احتقار الرأي الآخر، بل وسيلته الدعوة بالتي هي أحسن >ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن< ومناخه الحرية في الاعتقاد والحرية في التعبير >لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي<.

وأداته الاساسية الصبر على الحق، والصبر على طول الطريق >وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر<، فالاصلاح الذي يبدأ بالنفوس يحتاج إلى تربية، ووقت، وصبر على أحداث التغيير في الاتجاهات والسلوك الانساني الفردي والاجتماعي.

ومن هنا فإن الطريق السليم للاصلاح، يبدأ باصلاح الفرد، وبناء الشخصية الاسلامية المتكاملة، ومن ثم اصلاح الاسرة وبناء العائلة الاسلامية المتماسكة، ويترتب على ذلك السير في اصلاح العشيرة والمجتمع المحلي >وأنذر عشيرتك الاقربين<، وبالتالي اصلاح المؤسسات الاجتماعية المختلفة، ومساعدته على أداء أدوارها الاصلاحية بفعالية.

والعمل الاسلامي الشامل الذي ينسجم مع المفهوم الشامل للاسلام، الذي هو عقيدة وشريعة ونظام حياة، يتضمن العمل الدعوي الذي يصلح النفوس وعلاقتها مع خالقها عز وجل، والعمل التربوي الذي يبني الشخصية الاسلامية المتكاملة وفق الاخلاق الاسلامية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم >انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق<، كما يتضمن العمل الاسلامي الجهاد في سبيل الله تعالى دفاعا عن الاسلام، وعن الدعوة، وعن الحق، ودفاعا عن الأمة والوطن ضد أعدائها، وهنا ينبغي أن نفرق ما بين الارهاب غير المشروع الذي يعتدي على حريات الناس وحقوقهم مما يحرمه الاسلام، وما بين المقاومة الوطنية المشروعة، التي يعتبرها الاسلام جهادا في سبيل الله تعالى، دفاعا عن الدين، والنفس، والعرض، والمال، والوطن، فما يجري في فلسطين العربية المسلمة المحتلة من دولة العدو الصهيوني الغاصب، يعتبر جهادا مشروعا يقره الاسلام ويحرض عليه، لتحريرها من اليهود الغاصبين المحتلين لديار العرب والمسلمين ولا يفيد اليهود شرعية دولية مزعومة اكتسبوها بقرار من هيئة الأمم أو مجلس الأمن، ولا يمكنها أن تلغي شرعية دينية وتاريخية وواقعية لاصحاب الحقوق الشرعية من أهل فلسطين العرب المسلمين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، وصدق الله العظيم >أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير<.

وأخيرا، العمل السياسي الاسلامي المناصر، جزء من العمل الاسلامي الشامل، لاينبغي للحكومات العربية والاسلامية معاداته، معتمدة على

تتمة الموضوع في الصفحة : 7 >>>>>>>

مقولة غير شرعية، >لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين<، وهذه المقولة غريبة في فهمها للاسلام الشامل، الذي يأمر بالاهتمام بقضايا المسلمين، وأن معظم أسباب العنف الحاصلة اليوم، في بعض بلاد العرب والمسلمين، إنما ترجع الى هذه المقولة، وعدم السماح للعمل السياسي الاسلامي بممارسة السياسة الميدانية في الساحة كسائر الأحزاب الوطنية، ولولا هذا العنف السياسي المبني على الفعل ورد الفعل، لما ثارت مشكلة التغيير بالعنف التي هي غريبة على العقل المسلم، والمنهجية الاسلامية في الاصلاح، وخلاصة القول ان العمل الاسلامي، شأنه شأن العمل الدعوي الاسلامي، والعمل التربوي الاسلامي، والعمل الخيري الاسلامي التي تصدر جميعها عن المنهج الاسلامي في الاصلاح المبني على الوسائل السلمية، والذي ينبذ العنف كوسيلة للتغيير.

أما الظروف الاستثنائية التي يستعمل فيها بعض المسلمين العنف، فإنما هي ردود فعل، لمثيرات من هنا وهناك، ووقوع في مطبات وفخاخ تنصب للانظمة والشعوب على السواء، للاحتراب الداخلي، واهدار طاقات الأمة التي ينبغي أن توجه اصلا الى اعداء الدين والامة والوطن، وبخاصة الصهيونية والاستعمار في هذه الأيام، التي تكيد للاسلام وتمكر بالامة الاسلامية حتى لا يتحقق لها نجاح مشروعها الواعد في النهضة والتقدم، >والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا<.

عن جريدة المسلمون

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>