ذ. منير مغراوي
قال عطاء بن رباح رحمه الله تعالى : ((إن من كان قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها، أتذكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين، عن اليمين وعن الشمال قعيد؟ أما يستحيي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته))؟
كثرة الكلام بغير ذكر الله هلاك للمرء وقسوة للقلب، وقد صح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ رضي الله عنه : “وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم))، وصح عنه أيضا أنه قال : (إن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب).
وإن تعجب فاعجب ممن أطلق للسانه العنان، فهو ينهش به أعراض الناس، ويخوض مع الخائضين ولا يبالي ما نبست به شفتاه، كأنه ما طرق مسامعه قول الله عز وجل : {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، كأنه ما بلغه وعيد (إن الرجل ليلقى بالكلمة لا يلقى لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا).
ورب كلمة أوردت صاحبها الموارد، وقد كان العتيق أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأخذ بلسانه ويقول : ((هذا الذي أوردني الموارد((، وهو من هو في إيمانه وسبقه وفضله، فكيف بمن دونه من أمثالنا، وما أَخَالُنا يَسْلَمُ لنا يوم لم نُسَوِّد فيه صحائفنا بما جنته ألسنتنا، والمعصوم من عصمه الله جل وعلا، وشغل لسانه بذكره، فلا تراه إلا ذاكرا الله تعالى، شعارُهُ ((ذكر الخلق داء، وذكر الخالق دواء((، وقد قال العابد المبارك عبد الله بن المبارك في بعض أشعاره :
وإذا هممت بالمنطق البا
طل فاجعل مكانه تسبيحا
إن بعض السكوت خير من
النطق وإن كنت بالكلام فصيحا
فاللهم ارزقنا ألسنة بذكرك لهجة، وعن ذكر غيرك معرضة. آمين.