إن الله سبحانه وتعالى أعطى في محكم تنزيله مكانة سامية للعلم وقيمة رفيعة للعلماء الراسخين فيه الذين يفهمون عن الله تعالى مراده، ويبينونه للناس ويدعونهم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. ومن شواهد ذلك :
أولا : إن الله سبحانه استشهد بأهل العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده عز وجل وتنزيهه عن الشريك والمثيل فقال: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم .(آل عمران: 18). في هذه الآية دليل على فضل العلماء وشرفهم، إذ لو كان هناك أحد أشرف منهم لقرن الله سبحانه اسمه باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء، وفي ضمن هذا الاقتران تزكيتهم وتعديلهم فإن الله تعالى لا يستشهد من خلقه إلا العدول وفي الأثر المعروف عن النبي : «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين».
ثانيا : إن الله عز وجل نفى التسوية بين أهل العلم وبين غيرهم من عامة الناس، كما نفى التسوية بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فقال سبحانه : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الالباب .(الزمر: 10).
ثالثا : إن الله عز وجل أمر نبيه بطلب المزيد من العلم وذلك لفضله وشرفه عنده سبحانه فقال : وقل رب زدني علما . (طه : 111). وهذا ينبئ أنه لو كان هناك شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه أن يسأله المزيد منه كما أمره أن يستزيده من العلم.
رابعا : دعوة الله تعالى المومنين للنفرة إلى التفقه في الدين وهو تعلمه، وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم وهو التعليم فقال سبحانه؛ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون . (التوبة/ 123).
خامسا : رفع الله تعالى درجات أولي العلم، فقال سبحانه: يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير . (المجادلة:11). ورفعة الدرجات تدل على الفضل. إذ المراد به كثرة الثواب، وبها ترتفع الدرجات، ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة.
سادسا : إن العلماء هم أهل الخشية من الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفور . (فاطر: 28). ويفهم من الآية الكريمة أن كل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضل العلم ومكانة أهله.
سابعا : أمر الله سبحانه وتعالى العامة من الناس بسؤال العلماء والرجوع إلى أقوالهم وجعل ذلك كالشهادة منهم، فقال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . (النحل : 43). وأهل الذكر هم أهل العلم بما أنزله الحق سبحانه وتعالى على الرسل.
ثامنا : أهل العلم هم المنتفعون بأمثال القرآن الكريم. كما قال تعالى عنهم: وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون . (العنكبوت : 43). أي ما يعقل الأمثال ويفهمها ويتدبرها إلا العلماء الراسخون الذين يعقلون عن الله تعالى.