أحمد منصور
في الوقت الذي ينأى فيه كثير من زعماء الدول الإسلامية عن أن يوصف أحدهم بأنه متدين أو أن الدين يعلب الدور الرئيسي فى قراراته السياسية ويجنحون بسياسة دولهم نحو العلمانية، فقد جاء اعتراف رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بأن تدينه لعب دورا بالغ الأهمية فى حياته خلال فترة توليه حكم بريطانيا التي امتدت لعشر سنوات وانتهت باستقالته في شهر يونيو الماضي 2007، وقال بلير فى إطار فيلم وثائقي يدعي “سنوات بلير” أعدته هيئة الإذاعة البريطانية ” بي بي سي ” أنه كان يحجم عن مناقشة موضوع إيمانه فى العلن أثناء وجوده فى الحكومة خشية ألا يعتبره الناخبون مختلا، لكن الدين لعب دورا أساسيا فى عمله السياسي..
وقال بلير فى تصريحات نقلتها الوكالات فى 25 نوفمبر الماضي ” إن حديث السياسيين عن تدينهم أمر مألوف في الولايات المتحدة وغيرها، ولكن حين تتحدث عنه في نظامنا ” بريطانيا ” سيعتقد الناس وبكل صراحة أنك مختل عقليا ” وأضاف ” أنا صادق في شأن ذلك لا داعي لإنكار إن كان لدي إيمان راسخ ولا أعتقد أن هناك أي خطأ في أن يكون لدى أي شخص إيمان راسخ، وعلي العكس أي أن ذلك يمنح الناس قوة “، وأشار الفيلم إلي أن الدين لعب أهمية فى الطريقة التى يفكر بها بلير ويتكلم ويتصرف، وأكد بيتر مندلسون حليفه السياسي والمفوض الأوروبي الحالي للتجارة إيمان بلير وقال “إن الكتاب المقدس لا يفارق بلير فهو يأخذه معه أينما ذهب، ومساء قبل أن ينام يقرأ مقتطفات منه “.
هذا درس واضح في الدين من توني بلير إلى كل الزعماء الذين يحاولون إخفاء التزامهم بتعاليم دينهم أو التنصل من أن دينهم يلعب دورا فى أسلوب حكمهم أو في عملهم أو يحاربون التدين على اعتبار أنه مرادف للتطرف، فالرئيس بوش وحتى المرشحين الأمريكيين للرئاسة يتحدثون كلهم عن تعاليم الدين بالنسبة لهم، لكن بوش تخطى ذلك إلى مرتبة أنه يوحى إليه وأنه يتلقي تعاليمه من الله حتى أن المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر أشار في مذكراته، أنه حينما جلس مع بوش أخبره بوش أنه يتحدث مع الله وأن أغلب ما يقوم به يتم بوحي من الله، لم يجد شرودور لنفسه مكانة أو موضوعا يتحدث فيه مع رجل يتحدث مع الله، وحينما أعلن بوش أن الحرب القائمة فى العراق هي حرب صليبية إنما كان يتحدث عن معتقداته الحقيقية، أما اعترافات بلير فقد جاءت فى سياق إعلان رئيس الكنيسة الكاثولوكية فى بريطانيا يوم السبت 22 ديسمبر الماضي أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير تحول من الكنيسة الرسمية البريطانية ” الأنجليكانية ” إلى الكنيسة الكاثوليكية، وهي نفس الكنيسة التى تتبعها زوجته شيري وأولاده، ونفس الكنيسة التى يتبعها حليفه المقرب جورج بوش، وأعلن الكاردينال كوماك ميرفي أوكونور رئيس الكنيسة الكاثولكية فى بريطانيا عن سعادته البالغة بدخول توني بلير إلي الكنيسة الكاثوليكية، وأن إجراءات التحول من الأنجليكانية إلى الكاثوليكية قام بها بلير خلال مراسم خاصة في كنيسة صغيرة بمقر إقامة الكاردينال، وقد أعلن الكاردينال أوكونور أن بلير كان يحضر قداسات الصلاة بشكل منتظم منذ وقت طويل مع عائلته وكان يتبع فى الأشهر الماضية برنامج إعداد لانضمامه إلى الكاثولوكية بشكل كامل، وقد أشار كثيرمن المراقبين إلى أن بلير كان مع الرئيس بوش من أكثر الزعماء الذين يلتقون مع بابا الفاتيكان، وفي يونيو الماضي التقي بلير مع بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر لقاء مطولا في روما توقع المراقبون أن يعلن بعدها تحوله إلى الكاثوليكية في أي وقت، كما كان بلير يواظب لوقت طويل على حضور القداس مع عائلته في كنيسة كاثوليكية رغم أنه يتبع الكنيسة الأنجليكانية حتى طلب منه الكاردينال بازيل الرئيس السابق للكنيسة الكاثوليكية في بريطانيا فى العام 1996 أن يمتنع عن ذلك، فامتنع بلير حتى أعلن اعتناق الكاثوليكية بشكل رسمي.
وكان أسقف الكنيسة الأنجليكانية الدكتور روان وليامز قد هاجم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وحكومته عدة مرات بسبب مشاركة بريطانيا الحرب علي العراق إلي جوار الولايات المتحدة واعتبر أن هذه سياسات خاطئة بل وصفها في مقال نشره فى صحيفة تايمز البريطانية فى 23 ديسمبر 2006 بأنها ” سياسة جاهلة ” وأنها قد خلقت مناخا من التطرف والعداء بين المسلمين والمسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، ولعل هذا يفسر سياسة بلير التى كانت تنبع من معتقداته الدينية القريبة من معتقدات حليفه جورج بوش.
لا أحد يستطيع أن يلوم توني بلير على أن ما قام به خلال سنوات حكمه بما في ذلك المشاركة في غزو العراق واحتلاله الذي كان نابعا من التزامه بتعاليم دينه، ولا أحد يلوم توني بلير أنه كان يخفي في السر انتماءه للكنيسة الكاثوليكية التى تنتمي إليها زوجته وحليفه جورج بوش بينما كان في العلن يعلن أنه يتبع الكنيسة الأنجليكانية الرسمية البريطانية، فلم يتهم أحد توني بلير بالتطرف رغم أنه شارك بوش فى حرب صليبية، لكن السؤال هو ماهي ردة الفعل المتوقعة لو تجرأ أحد زعماء الدول الأسلامية وأعلن مثلما أعلن بلير من أن الدين يلعب دورا فى عمله السياسي؟.