< أنا أصوم رمضان ونيتي ختم القرآن الكريم فيه، فهل يجوز لي الاستمرار في قراءته رغم وجود حائل دم الحيض؟ فأنا لا أريد تضييع أجر الذكر خلال هذا الشهر المبارك؟
>> لا شك أن من موانع الحيض قراءة القرآن وأداء الصلاة والطواف وما أشبه ذلك، من العبادات المعروفة، فهذه السيدة تقرأ من القرآن ما تيسر لها قبل أن يأتيها الحيض فإذا كانت حائضاً فإن العبادة حينئذ لا تكون بالقراءة وإنما تكون بالتوقف، فإن هي توقفت من أجل هذا الغرض فلها أجر في ذلك، رغم أنها تحب أن تقرأ القرآن، فيمكنها أن تصغي إليه وتستمع له في الأشرطة، فهذا ليس حراما أو تحضر دروسا في فهم القرآن وما أشبه ذلك فكل ذلك جائز، وهناك حالة المرأة المتعلمة أي التي تشتغل بتعلم القرآن إما أنها تحفظ القرآن أو تحفظ القرآن، فالمعلمة التي تشتغل في مجال تحفيظ القرآن الكريم لا يمكن أن يُصَمَّر(1) عليها لأنها ربما قد تحيض، والحيض عند بعض الفقهاء مداه الأقصى نصف الشهر(2)، طبعا هو لا يبلغ ذلك ولكن الفقهاء يقولون ذلك لأن رسول الله قال :«تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصوم» (3) والشطر هو النصف ونصف الشهر خمسة عشر يوما، قد لا يبلغ الأمر ذلك ولكن هذا أقصى أمد للحيض، فلو كانت هذه المرأة معلمة في مدرسة مثلا أو مكان تعلم فيه القرآن وفعلت ذلك وكانت تتوقف كل شهر عشرة أيام لما استطاعت أن تمارس عملها ولما استطاعت أن تحفظ القرآن، فهذه لها رخصة في أن تتنظف وتتطهر وأن تمارس عملها لأنه عمل يقتضي الاستمرار وهي حائض والحيض عكس الجنابة، الحيض ليس للمرأة أن ترفعه عن نفسها بخلاف الجنابة التي يمكن رفعها بالاغتسال وإزالتها، أما الحيض فهو شيء ملازم لهذه المرأة،
فعلى على هذه المرأة الحائض أن لا تقرأ القرآن في الظروف العادية، ولكن إن كانت معلمة أو متعلمة فتتطهر وتتنظف وتستمر في حفظ القرآن وتحفيظه ولا شيء عليها في ذلك والله أعلم.
< ما حكم الشرع في السباحة خلال شهر رمضان؟ وما الحكم إذا أحس المرء بشيء من ماء البحر في حلقه أثناء السباحة : هل يدخل هذا الأمر في إطار الإفطار العمد؟
>> الذين يعمدون إلى السباحة في رمضان وهم يعلمون أن الماء سيدخل أجوافهم هم متعمدون للإفطار قطعا، فالسباحة ليست ضرورة من الضرورات وليست شيئا يجب على الإنسان فعله، فله أن يسبح في غير رمضان أو يسبح ليلا، فحينما يعلم الإنسان أنه بفعله ذلك سوف يدخل الماء إلى حلقه فهو متعمد بالتأكيد، لأنه ليس عملا له فهو ليس غواصا في البحر يبحث عن اللؤلؤ فهذا إنسان يسبح متعة فقط فليحافظ على صومه ولا يفسده بالسباحة.
< أنا سيدة بلغت 68 من عمري إصابتي بمرض السكري تمنعني من صيام رمضان أريد أن أعرف القدر المالي الذي يجب علي إخراجه فدية لإفطاري عن كل يوم، وهل يجب أن أخرجه يوما بيوم خلال شهر رمضان أم مجموعا في نهايته؟
>> هذه السيدة تذكر أنها مريضة بالسكري، وهذا المرض يستهين به البعض ويرى بعض الناس أنه يمكن أن يغالب المرض خصوصا إذا ذكر له الأطباء أنه يمنع عليه أن يصوم، فإذا قال الأطباء عن حالة متقدمة من الإصابة بمرض السكري بأن الصوم لا يتفق معه فعلى الناس أن يعتبروا ما يقوله الأطباء فتوى فقهية تماما، لأن المرض كما هو واضح ليس ضروريا أن يكون أثره حالا، فقد يدخل الإنسان في هبوط نسبة السكري وقد يدخل في حالة غيبوبة أو في حالة موت دماغي، فهذه أشياء تقع كثيرا، والإنسان إن حذره الأطباء من الصوم فعليه أن يمتنع حتى وإن صام ولم يقع له شيء فما دام الاحتمال قائما وما دام الطبيب قال ذلك فيجب دائما الأخذ بالأحوط وهو في هذه الحالة ألا يصوم، فإذا حذر الطبيب المريض من الصوم وصام المريض ووقع له شيء في جسده فلا يعتبر أنه أطاع الله بما فعل بل قد عصى الله بما فعل.
والإنسان الذي لا يصوم لسبب شرعي يؤدي فدية هي عبارة عن مد، وهي ليست على الوجوب لمن لا يستطيعها وليست كالكفارة لأن الكفارة عقوبة، فالفدية عبارة عن مشاركة الإنسان مع الصائمين بإعطاء الفدية لمساكينهم.
والفدية مد لا يتجاوز مقداره ربع الصاع، والصاع 12 درهما وربعها 3 دراهم تقريبا، والإنسان مخير فيها أن يعطيها متى شاء، فالمهم أن يعطي تلك الفدية إذا كان ممن يجدها وعنده مالها.
< أنا رجل ميسور الحال وأظن أن صيامي لن ينتفع به الناس بل سأنتفع بثوابه وحدي فقط، وبما أن الشرع يقول بإطعام ستين مسكينا عن كل يوم تم الإفطار فيه، فهل يجوز لي إطعام 1800 شخص خلال شهر رمضان دون أن أتكبد عناء صيامه؟
>> أقول لصاحب السؤال كلامك في ظاهره منطقي ومتماسك ولكن أول خطيئة وقعت في الكون هي قياس فاسد حينما قال الشيطان عن الإنسان أنا خير منه وأن الإنسان خلق من طين والطين أقل قيمة من النار، فهذا الكلام ليس منطقيا وسليما من حيث الشريعة الإسلامية لأن فيه مغالطات، فالشرع لم يقل أنه يمكن للإنسان أن يفطر ويعوض عن ذلك بالمال، حالة التعويض هي كفارة وهي عقوبة، أي أن الإنسان يحس أنه أذنب وأنه أخطأ وأن علاقته مع الله غير جيدة، وحتى على فرض أنه أدى هذه الكفارة مالا فإنها قد لا تصلح ما بينه وبين الله، فالإنسان الذي يتعمد إفطار يوم في رمضان لن يكفيه صيام الدهر كله إن صامه، لذلك فالكفارة نوع من جبر الضرر وتفادي الخطأ، ولكنه ليس هو السلوك الطبيعي أن نعصي الله ثم نتصالح معه بالمال، ثم إن العبادة حينئذ لن تكون إلا عبادة الأغنياء وسيختلف الأغنياء عن الفقراء، فالفقراء يصومون لأنهم لا يجدون ما يكفرون والأغنياء سيعمدون إلى انتهاك كل الحرمات بدالة أنهم قادرون على التعويض، فهذا اختلال في تدين الناس.
ثم قال السائل : (إن الناس لا ينتفعون من صيامي) بل هم ينتفعون، ينتفعون من طهارة نفسك ومن طهارة روحك ومن استوائك وتقواك أكثر بكثير مما ينتفعون بالكفارة التي تتفضل بها عليهم، وهذه أمور لا ينوب فيها أحد عن أحد فلا يمكنك أن تقول أنا غني لا اتعلم العلم ولكني سأعمل على أن يتعلم الآخرون، فلو أنفقت من أجل أن يتعلم الآخرون ستظل أنت مطالباً بتعلم العلم لتصير إنسانا بالعلم لأن العلم هو قيمة ذاتية في الإنسان، أنت مطالب مثلا بممارسة الرياضة لأن غيرك لا يمكنه أن ينوب عنك في ذلك، ولن يستفيد جسمك من الرياضة بسبب أن الآخرين يمارسون الرياضة نيابة عنك، فالصيام فريضة عينية لها حِكمها وأسرارها ولها آثارها تعود على الإنسان ذاتيا.
فما ذكرته هو في ظاهره وجيه أنك تريد الإحسان إلى الفقراء ولكنك لا تحسن إليهم بإفساد ما بينك وبين الله، فتصوم وتحسن إليهم فلا تعارض في الأمر، فتصوم وتعين الفقراء على أن يصوموا فتصوم أنت ويصوم الفقراء حتى لا يصبح الصيام عبادة نخبوية فتكون هناك نخبة لا تصوم الشهر وأناس آخرون يصومون بالجوع والعطش، فهذا منطق غير صحيح وسليم، والصيام يعود عليك أنت في خاصة نفسك ويصلحك، وحينما يصلحك فهو يصلحك للمجتمع بأغنيائه وفقرائه.
كان في المسلمين أغنياء أمثال عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ولكن ما قالوا ما قلت وصاموا كما صام الناس، يصوم الكبار ويصوم الصغار وتصوم الملوك كما تصوم العامة.
———
1 – أي تمنع ، جاء في القاموس المحيط [ صَمَرَ صَمْراً وصُمُوراً : بخل ومنع ، والمُتَصَمِّرُ : المُتَحَبِّسُ ] .
2 – اختلف الفقهاء في مدة الحيض :
فالحنفية قالوا : إن اقل مدة الحيض ثلاثة أيام وثلاث ليال وأكثرها عشرة أيام ولياليها .
والمالكية قالوا : إن أقل مدة الحيض يوم أو بعض يوم وأكثره خمسة عشر يوما .
3 – الحديث لا أصل له بهذا اللفظ، والصحيح في المسألة ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله ككفر النعمة والحقوق عن ابن عمر عن رسول الله أنه قال :«يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رايتكن أكثر أهل النار» فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال : «تكثرن اللعن وتكفرن العشير. وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن» قالت يا رسول الله : وما نقصان العقل والدين؟ قال : «أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين».
————
أعدها للنشر الأستاذ امحمد رحماني