تحل بالمسلمين في هذا الشهر، شهر ربيع الأول، ذكرى مولد رسول الله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، صاحب الرسالة العامة الخاتمة، والشريعة العادلة الخالدة، والرحمة المهداة الشاملة، وصاحب السيرة المثلى في إخراج الجيل القرآني القائد السائد الشاهد.
تحل الذكرى ونور الإسلام مقبل من جديد على الانتشار، رغم المحاولات اليائسة لجعله في حالة الانحسار، وجعل المسلمين في واقع من الذل والانكسار.
تحل الذكرى والعالم اليوم ـ كما كان زمن ولادته صلى الله عليه وسلم ـ على أهبة استقبال ميلاد أمة جديدة أمة المسلمين في بعثتها الجديدة.
وتحل الذكرى والمسلمون في المقابل- لا تزال تعوق سيرَهم كثيرٌ من مظاهر الضعف والوهن والفتور، والفرقة وتعدد الولاءات، وضعف الوعي بما يميز الذات من خصوصيات ومقومات.
ولذلك، ليس يليق بالمسلمين أن تحل بهم ذكرى حدث مولد الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يجعلوها مناسبة لِـ :
- الاستعداد لحمل رسالته صلى الله عليه وسلم إلى العالمين، رسالة إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإخراج الناس من الضلال والغواية إلى الرشاد والهداية لإعادة إعمار النفوس والقلوب بأنوار الإيمان، وإعمار الأمم والشعوب بالعدل والخير والإحسان على نهج القرآن وسيرة النبي العدنان.
- العمل بهذا الدين إخلاصا ومنهاجا، علما وعملا، تربية وتعليما، قضاء وإعلاما..
- القيام بنفس وظيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسي به في نذر حياته لهذا الدين جهدا وجهادا، لأن أمة الإسلام لم تر النور ولم تخرج إلى الوجود، ولم تتحقق لها السيادة والريادة والقيادة والشهادة على الناس إلا بذلك الجهد والجهاد المتواصل والحكيم، ولن تعود الأمة إلى نيل تلك المواقع إلا بعودتها للعمل بما ورد عن النبي من أحكام وشرائع، واقتفاء أثره في زرع الخير وإزالة الشرور والموانع.
- التأسي بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في علاقته مع ربه إخلاصا وطاعة وولاء، وفي علاقته مع أهل بيته حبا ورحمة ووفاء، ومع أصحابه المؤمنين حبا ونصحا وتعليما، ومع جيرانه خيرا ونفعا وصفاء، ومع مخالفيه عدلا وحلما وحجاجا بالتي هي أحسن وإقناعا، إنها سيرة رسول عاش بالله ومع الله ولله، صنع نفسه وغيره ممن حوله من المومنين بالدين وللدين، فكانوا جميعا على قلب رجل واحد: {محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود..}.
- العودة إلى منهجه صلى الله عليه وسلم في تربية الرواحل الحاملة لهذا الدين، وإعداد الرجال القوامين القائمين به لا يشغلهم شاغل عن طاعة الله تعالى وامتثال شريعته، وخدمة دينه علما وعملا وتعليما، تحققا وتخلقا، رجال بايعوا رسول الله على السمع والطاعة وتوحيد التلقي عن الله ورسوله وإحسان التنفيذ، رجال باعوا لله أنفسهم وأموالهم، واشترى منهم ربهم ذلك، فربح البيع وكان ما كان لهم ولهذا الدين من عز وخير، ولا عودة للأمة اليوم لقيادة العالم -كما هي مرشحة له الآن- إلا بزيادة لزوم القرآن، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته في التربية والتعليم والدعوة والبلاغ، والعمل بهذا الدين في النفوس والبيوت والمؤسسات، وكل القطاعات.
- إن حدث مولد النبي المصطفى، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، هو حدث مولد النور الذي خرجت به البشرية من الظلمات إلى النور، فلنجعله حدثا لتجديد وتجدد بعثة هذا النور في نفوسنا، ولنجعله أيضا حدثا لتجديد عملية إرسال النور والرحمة إلى غيرنا، فكل مسلم نائب عن رسول الله ووارث عنه ميراث النبوة؛ فليحافظ كل منا على ما ورثه ويورثه، وليبلغ عن رسول الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((بلغوا عن ولو آية))، وليحاول أن يكون عضوا في أمة الخير، التي ذكرها رب العزة بقوله: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، حتى يتصف بفضل ذلك بالحسن في القول والعمل: {ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}، وليرث الحسنى وزيادة في دار المقامة: {للذين احسنوا الحسنى وزيادة}، وبالتأكيد ليس هناك جزاء أعلى من سكنى الجنان، يوم لقاء الرحمن.
جزاكم الله خيرا