314 فـهم الـنـفسـيـات
الإنسان جهاز معقد نحتاج إلى مهارات متعددة لفهمه، والاختلاف بين الناس شيء فطري وعادي، وإذا أضفنا لذلك أن الفروق الجسدية بين الرجل والمرأة تؤثر على نفسية وطباع كل منهما. فإذا لم يتفهم كل منهما هذه الاختلافات، وتعامل الرجل مع زوجته بنفسية الرجل و تكلمت المرأة مع زوجها بلغة النساء كانت المشاكل وكانت الخلافات مما يؤثر سلبا على هذه العلاقة الزوجية.
فكيف يفكر الرجل والمرأة؟ أهم مميزاتهما؟ اهتماماتهما؟ وأسئلة أخرى سنحاول تناولنا من خلال هذا المقال.
همسات للرجل
1- تفكير المرأة حلزوني : فالمرأة تستطيع أن تفكر في أشياء متعددة في وقت واحد بل تستطيع أن تعمل أعمالاً مختلفة في آن واحد : فتجدها تحرك الأكل على النار، وتغني لطفلها الذي يبكي وتنادي أحدهم في الغرفة المجاورة.. وتفعل كل ذلك بإتقان دون أن تضيِّع أيةَ وظيفة، الأمر الذي لا نجده عند الرجل بالمرة.
2- المرأة تهتم كثيرا بالتفاصيل : فأفكارها محددة وتسأل وتبحث عن أدق التفاصيل،فالمرأة إذا دخلت بيتا اهتمت لألوان الستائر ونوع السجاد وطبيعة قماش الأفرشة.. وحتى في تعاملها مع الرجل فالمرأة تريد دائما من زوجها أن يهتم (كما هو الحال بالنسبة لها) بتفاصيل حياتهما، وإن مدح أكْلَها فهي تتمنى أن يصف كلَّ طبق على حدة، ويمدح كل صنف بشكل خاص حتى تُرْضي هذه النقطة في شخصيتها.
3- المرأة تحتاج إلى الإحساس بالضمان والاطمئنان : فالمرأة تثبت نفسها باعتمادها على الرجل وبرجوعها إليه، فقد أجري بحث في هذا الصدد بَيَّن أن 64% من هذه العينة من النساء ترجع إلى زوجها لاستشارته في أمور العمل، وهذا شيء طبيعي إذا رجعنا لأصل المرأة وكيف خلقت، فكونها خلقت من آدم يجعلها تحِنُّ لأصلها، وترجع إليه، ولا تطمئن إلا وهي معه. ولعل هذا ما فسر جواب رسول الله لما سألته عائشة رضي الله عنها عن حبه لها؟ أن حبه لها كعُقْدة الحبل. فلما ألحت لمعرفة التفاصيل وكيف هي العقدة الآن أجابها جواب العارف بنفسية المرأة وبما تبحث عنه قائلا : >العقدة كما هي، والله لا يضرُّني متى مُتِّ بعد ما علمتُ أنك زَوْجتي في الجنة<.
4- المرأة تستعمل المخ الأيمن : الذي يهتم بالخيال، والذوق، والعاطفة و… ولقد أثبتت الدراسات وجود صمام بين المخين يمكِّنُ الشخص من الانتقال بين الفص الأيمن والأيسر، وأن هذا الصمام أوسعُ عند المرأة منه عند الرجل، الشيء الذي يفسر قدرة المرأة على الانتقال من فكرة إلى فكرة ومن عمل إلى عمل بشكل أسرع.
همسات للمرأة
1- الرجل يفكر بطريقة متتابعة : فخلافا للمرأة فالرجل لا يستطيع التفكير ولا عمل أمور كثيرة في وقت واحد. فإذا اشتغل الرجل بأمر لم يمر إلى آخر حتى يتم الأول، الأمر الذي لا تستطيع المرأة فهْمَهُ، وتتَّهم الرجلَ بالعجز والتملُّص من الأعمال والتهرُّب منها. إن الرجل إذا تكلم في الهاتف لم يستطع التركيز مع أي عمل آخر غير المكالمة التي بين يديه، في حين أن منظر امرأة تمسك هاتفا في يدها تتكلم من خلاله، ويَدُها الأخرى تحمل طِفلا تُحاولُ إسكاته، وفي نفس الوقت تُومئ للطفل الأكْبر أن يخرج من قاعة الضيوف ولا يلعب فيها، فهذا منظر مألوف لا يستطيع الرجل القيام به إلا في حالات نادرة. وهذا الأمر يمكن تفسيره بما قلناه سابقا أن الصمام بين مخي الرجل أضيق منه عند المرأة، وبالتالي فهو يحتاج لوقت أكبر للانتقال من فكرة إلى فكرة ومن عمل إلى عمل.
2- الرجل عامٌّ في تفكيره ولا يهتم بالتفاصيل : فهو إن دخل بيتا لم يتذكر إلا الصورة العامة لهذا البيت، وإذا حضر مأدبة أكْل لم ينتبه لتفاصيل المائدة وكيفية ترتيبها، وإذا مدح زوجته كان مدحُه عاما كأن يقول لها أنتِ جميلة اليوم دون الدخول في تفاصيل أكثر : تسريحتها -لون فستانها، مجوهراتها.. الشيء الذي تريده المرأة وتبحث عنه كما تقدم.
3- الرجل يُثْبِت نفسه بالعمل والانجاز : فالرجل أصله من تراب والفرع دائما يحن لأصله كما يقال، وبالتالي فالرجل لا يجد نفسه ولا يثبت وجوده إلا بالأعمال التي يقوم بها.
فالرجل خلافا للمرأة يعطي الأولوية لعمله ومشاريعه، وتأتي الأسرة والصحة والأولاد في الدرجة الثانية وهذا يمكن أن ينشأ عنه مجموعة من الخلافات بينهما، وذلك حين تتهم المرأة الرجل بإهمال بيته، وبعدم الاكتراث بالأسرة وبشؤونها. فالأمر إذن نابع من طبيعة الرجل، والمرأةُ الذكية هي التي تستطيع مشاركة زوجها أعماله واهتماماته وجرَّه برفق إلى الاهتمام بالجوانب الأسرية والاجتماعية الأخرى.
كلامنا هذا لا يعني أن الرجل ليس له أحاسيس، أو أن مشاعره قليلة، ولكن يهمنا أن نعرف أن الرجل يعبر عن مشاعره وأحاسيسه بطريقة مختلفة عن المرأة، كأن يجلب أغراض البيت بوفرة، أو يقدم هدايا في مناسباتها المتعددة… ولكن التعبير بالكلمات والألفاظ هو صعبٌ عند الرجل إلا نادرا.
4- الرجل يستعمل المخ الأيسر أكثر من المخ الأيمن : وبالتالي فهو كثير الاشتغال بالتحليل والحساب والأرقام. أما مسألة الخيال والعواطف فهي لا تدخل في طبيعته، واكتساب هذه المهارات يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.
أما بعد : لقد عرف كل من الطرفين كيف يفكر الآخر، ولا شك أنكم وأنتم تقرؤون هذه الأفكار، تذكرتم مجموعة من الأحداث والوقائع، وربما الخصومات التي كان سببها عدمَ تفهم كل طرف لطبيعة الطرف الآخر، وانطلاقَ كل واحد من نفسيته ومن طريقة تفكيره. ولنا في رسول الله أسوة حسنة في فهم نفسيات الآخرين ومنهم زوجاته. فها هو مع عائشة يقول : >إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى، أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنت عني غضبى قلت لا ورب إبراهيم<(رواه مسلم) فلنحاول لَبْس نظارة الآخر ولْيعامل الرجلُ زوجته انطلاقا من طبيعتها وليس من طبيعته هو، والمرأة كذلك، وذلك كي نحقق الدفئ والمودة والرحمة فننال راحة الدنيا ونعيم الآخرة.