حنين جارف إلى ذكرى.. ليست ككل الذكريات… إلى بقايا نور بداخلي..
عمي البصر.. ولم تعْمَ نعمة البصيرة… ويالها من نعمة من الله عز وجل!
فقدت البصر بسبب خطإ طبي… حين كان عمري أربع سنوات..
بداخلي صور باهتة لوجه أمي، وأبي، وإخوتي، وحيّي، وهذه الدنيا…!
تحمل أبويّ تعليمي رغم الفقر.. تلمست بأناملي الغضة الحروف والأرقام والكتب… وهذا عالم آخر يبدد تلك الظلمة الحالكة التي أعيشها ليلا أبديا…!
تلمست بأناملي حروف القرآن الكريم، فوهجت بداخلي شموعاً وقناديل ونجوما.. وأضاءت بصيرتي.. وصار القرآن الكريم نور صدري وجلاء حزني وهمي، واخضر قلبي ربيعا…!
أقرأ كثيرا.. عرفت أن ثمة عباقرة… فقدوا البصر… لكن بصيرتهم ظلت تشع نوراً، ليس لهم فحسب بل للناس أجمعين…!
تلمست طريقي.. علي أن أعتمد على نفسي، وأن تختزل ذاكرتي كل مسارات حياتي… وقد تسلحت بإرادتي بعد التوكل على الله عز وجل لتحدي كل الصعاب!
أساعد أمي في أعمال البيت، وأساعد إخوتي في دروسهم…!
نجحت… وكما نجحت في دراستي، قررت النجاح في حياتي كلها.. علي أن أتحدى حزني على فراق أسرتي… فقد ر حلت إلى مدينة بعيدة، لأدرس في ثانوية للمكفوفين.. الحمد لله أن صديقتي المكفوفة أيضا ترافقني… ودائما نتساءل : لماذا لم تشيد ثانوية للمكفوفين بتطوان…؟!
طموحي بلا حدود.. سأتابع دراستي إن شاء الله، ولن أتهاون عن طلب العلم… لأنه نور…!
أرجو الله عز وجل أن يكافئني بالجنة -كما في الأثر- لأنه عزوجل أخذ حبيبتيّ (بصري)، وأنا راضية بذلك وصابرة ومحتسبة…
الحمد لله.. إني محظوظة.. فقد رأيت هذه الدنيا لأربع سنوات ثم عميت.. ومن زميلاتي منْ خلقت مكفوفة ولم تر الدنيا قط.. وهناك مكفوفات كثيرات لم يتيسر لهن التعلم.. في حين أنني أدرس.. وأقضي وقتي مع الكتب، ومع الْحبيب القرآن…
أدعو الله أن يبارك في بصيرتي.. وأرجو الدعاء لي…!