الشيخ ابراهيم بن محمد الحقيل
الخطبة الأولى
الحمدُ لله القوي العزيز، ناصر المستضعفين، وكاسر الجبابرة المستكبرين،…. أمَّا بعد،
فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على ما منَّ به – سبحانه وتعالى – على إخوانكم من النصر المبين، وكسْر شوكة الكافرين، وإغاظة المنافقين، {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}(الأحزاب: 25).
فنحمَد الله الذي لا إله إلا هو، على ما تحقَّق من نصر كبير لِلمستضْعفين الصَّابرين المرابطين، أرغَم العدوَّ الغاشم على إيقافِ عدْوانه من طرفٍ واحد، وسحْب قوَّاته من غزَّة يجرُّ أذْيال الهزيمة والخُسران، وقادته السياسيُّون والعسكريُّون يلطمون ويتلاومون.
لقد كانت معركة غزَّة معركةً فاصلة حاسمة، سيتغيَّر بها مجرى الأحداث في الصِّراع بين الحقِّ والباطل:
أمَّا أطرافها، ففئة مؤمنة مستضعَفة مُحاصرة، تمَّ تَجويعها وإنْهاكُها وإضعافُها على مدى عاميْن كاملين، لا يجد أفرادُها ما يسدُّون به جوعَهم، ولا ما يداوُون به مرضاهم، ولا ما يتَّقون به شرَّ أعدائِهم، تُقابِل فئةً مكتملة العدد والعتاد، مدرَّبة أعلى تدريب، قد أحكمتْ سيْطرتَها على البرِّ والبحْر والجو، تُصَنََُّف رابع قوَّة في الأرض، مدعومة دعمًا مطلقًا من القوَّة الأولى في الأرض، ودعمًا آخر كبيرًا من أقوى اتِّحاد في الأرض، ويُعينُها على ظلْمِها منافقو الدَّاخل، والمجاوِرون لهم، بإحْكام الحصار عليهم، والدلالة على عوراتِهم، والتَّخذيل والإرْجاف فيهم، ودعوتهم للاستسلام بلا ثمن.
لقد كان ميزانُ القوى مختلاًّ اختِلالاً كبيرًا، وكان الغرور قد ملأَ قلوب مُسَعِّري هذه الحرب الجائرة، وقلوبَ مَن أعانوهم عليْها، بأنَّها ستنتهي بتحقيق مكاسبَ كثيرةٍ لهم؛ ولذا ارتَمى المنافقون في أحضانِهم كما لم يرتموا من قبل، وكان هاجسُهم هل ينتهون في ساعاتٍ أم في بضعةِ أيَّام، فإذا ألْطاف الربِّ ومقاديره تقلبُ حساباتِهم، فتكون العبرة وأي عبرة؛ {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ}(آل عمران: 13).
وأمَّا وقتُها، فكان في زمنٍ بلغ فيه الذلُّ والهوان مداه، ودبَّ اليأس في كثير من القلوب، وانخفض فيه الخطاب الإسلامي العزيز بعزَّة الإسلام؛ ليصبح خطابًا استسلاميًّا منهزمًا، يُحاوِر مَن لا يقبلون الحوار، ويتسوَّل حقوقَه من اللصوص واللئام، لقد كان في زمنٍ شهِد دعواتٍ صريحةً لتجديد دين الإسلام، وتحويله من دين العزَّة والأنفة والدَّعوة والجهاد إلى دين الخنوع والاستِسْلام.
لقد كانت معركة في زمن تسلَّط فيه الكفَّار والمنافقون على دين الإسلام، وعلى القرآن، وعلى النَّبي بالطَّعن والاستِهْزاء والإزراء، وعلى أحْكام الشريعة بالمسْخ والتَّغيير.
لقد كانت معركة العزَّة في غزَّة في زمن ارتدَّ فيه المرتدُّون، وانتكس المنتكِسون، وأرْعد المنافقون وأزْبدوا، وبشَّروا بانتِهاء ما سمَّوْه “الأيديولوجيا الإسلامية”، ويريدون بِها الإسلام المنزَّل الكامل دون مسْخٍ ولا تغيير.
لقد كانت معركةَ تحصينٍ وتثبيت في زمنٍ حوصر فيه النَّاس بالشُّبُهات؛ لإخراجهم من دينِهم الحق، وأُقنعوا أنَّ دينَهم هو سبب مشاكِلِهم وهزائمِهِم المتتابعة، وأنَّهم لن ينهضوا ويتقدَّموا إلا بطرحه وتغييره وتهذيبه.
لقد كانت معركةُ غزَّةَ في زمن زُيِّنت فيه الشَّهوات للنَّاس، وحبِّبت إليْهِم الدنيا، والرُّكون إليْها، والتعلُّق بها، والعمل لأجْلِها، وتقاعسَ كثيرٌ منهم عن إقامة دينِهم، والدَّعوة إليه، والصبر على الأذى فيه.
لقد كانت في زمنٍ اقْتنع فيه كثيرٌ من النَّاس بأنَّ الخيار العسكريَّ مع الأعداء ليس سوى انتِحار وهلاك؛ لِما يملكون من القوَّة والتخطيط والاتِّصال والتجسُّس، سمِّيت حروبُهم فيه حروبًا إلكترونيَّة، وإذا هذا البناء الهائل الذي صنعه الأعداءُ في عقليَّات المنهزمين يهيلُه الغَزِّيُّون ترابًا يبابًا.
وأمَّا نتائجُها، فينبِّئُنا عنها وجوهُ العدوِّ المسودَّة من جرَّاء الهزيمة، كما يدلُّنا عليْها تسابُق المنافقين والمخذِّلين لقطْف ثمار هذا النصْر المبين، وتسارُعهم إلى المؤتمرات وعدسات المصوِّرين؛ ليهنِّئوا الأمَّة بنصر كانوا هم أعداءَه، وليُعْلِنوا اصطفافَهم مع المنتصِرين وهم الذين خنقوهم وحاصَروهم، وحرَّضوا العدوَّ الغاشمَ عليْهم، فلولا أنَّه نصر عظيمٌ، وفتح مبين، لما اعترفوا به وهم أعداؤه، ولما غيَّروا مواقفَهم من جرَّائه، ولكنَّه أوان قطْف ثمار النصر، يريدون المشاركة فيها، ويخشَون فواتَها.
لقد أصبح الذين كانوا بالأمْسِ القريب يقولون: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}(آل عمران: 168)، أصبحوا يُظهِرون الفرح وهم بالأمس يلومون ويشمتون، وانتشَوا بالنصر وقد أرادوا الهزيمة، وأبدَوُا الأخوَّة وكانوا بالأمس أعداء، يا للمواقف العجيبة! ويا للتلوُّن وتبدُّل الحال!
اقرؤوا القرآن لتعرفوا أنَّ أوْصافهم ومواقفهم لم تتغيَّر في القديم ولا في الحديث؛ يقول ربُّنا – سبحانه – عنهم: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}(النساء: 72 – 73)، وصدق الله تعالى، فلو أنَّ أهل غزَّة انْهزموا واحتلَّ اليهود بلادَهم، لقالوا: قد قُلْنا ذلك من قبل، أما وقد انتصروا، فهم يقولون: نحنُ شركاء في هذا النصر؛ بل نحن أهلُه.
إنَّهم المتسلِّقون على أكْتاف غيْرِهم، الأذلَّة عند عدوِّهم، يصطنعون مجدَهم بالكذِب والغشِّ والتزوير، ومصيرُهم مزابل التاريخ، ومحلُّهم الكتُب التي تدوِّن تاريخ الخونة والعُملاء وأعمالهم، وأين عبدالله بن سلول من سعد بن معاذ ] وأيُّهما أذكر بالخير؟ وأيُّهما أذكر بالشر؟ رضي الله تعالى عن سعدٍ وأرضاه، وسحقًا لابن سلول وأذنابه.
إنَّ نتائج معركة العزَّة في غزَّة على المدى القريب والبعيد لا يُمْكِن حصرُها، فهي بداية تحوُّل في تاريخ الصراع مع اليهود؛ إذِ انكسر صهاينة النَّصارى في العراق وأفغانستان، ثمَّ انكسر صهاينةُ اليهود في لبنان وفي غزَّة.
وبمعركة العزَّة في غزَّة عاد لأهل السنَّة وهَجُهم، وعرف الناس أنَّهم أهل الميدان، متى ما تخلَّوا عن الرايات الجاهليَّة العمياء، وانضوَوْا تحت راية الحقِّ والهدى.
إنَّ الغزِّيين الذين استُشْهِدوا في معركة العزَّة في غزَّة قد أحْيَوا بدمائهم عقيدة الولاء والبراء، وأعادوا بأشلائهم الطَّاهرة الأخوَّة الإيمانيَّة، والحميَّة الدينيَّة التي كادت تندرِس بالشِّعارات الجوْفاء الزائفة، لقد كانوا سببًا في تحقُّق الجسد الواحد، والأمَّة الواحدة، والبنيان المرصوص الذي يشدُّ بعضُه بعضًا بعد أن نسِي النَّاس ذلك أو كادوا.
لقد أعادوا للأمَّة شيئًا من هيْبتِها المفقودة، وسيادتِها المنقوصة، واقتنع كثيرٌ من ساسة الأعْداء ومفكِّريهم أنَّ المفاوضات يجب أن تكون معهم؛ لأنَّهم يمثِّلون حقيقةَ الأمَّة، بخلاف المرتزِقة المتأكِّلين بقضاياها، وهذه منفعة عظيمة؛ إذْ غدا الذين يسمَّون بالأمس إرهابيِّين هم الممثِّلون الحقيقيُّون لقضيَّة بيت المقدِس، وبهذا الصمود الكبير للغزيِّين اقتنع المتردِّدون أنَّ الأمَّة تستطيع الصمودَ أمام سلاح الأعْداء مهما كان، وأنَّ الظلم إذا ساد الأرضَ فإنَّ الحقوق لا تُوهَب، وإنَّما تُنْتَزع من الأعداء انتزاعًا.
فالحمد الله الذي نصر عبادَه، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحدَه؛ {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ}(آل عمران: 126).
الخطبة الثانية
الحمد لله …. أمَّا بعدُ:
فإنَّ معركة العزَّة في غزَّة تشبه غزوة الأحزاب من وجوه عدة؛ ففيها تحزَّب اليهود على غزَّة حتى استدعَوا جنود الاحتِياط، وكان من ورائِهم النَّصارى يمدُّونَهم بالسِّلاح والمؤونة، كما تحزَّبت قريش وحلفاؤها على أهل المدينة، وفي معركة غزَّة نجم النفاق، واشتغل أهلُ التَّخذيل والإرجاف، وقد كانوا كذلك في الأحزاب، وحوصرت غزَّة من كلِّ جهاتِها كما حوصرت المدينة في الأحزاب، وانْحاز أعداء الدَّاخل للصَّهاينة كما نقضت يهودُ عهدَها في الأحزاب، وبلغ الخوفُ في غزَّة على الذراريِّ والنِّساء والضُّعفاء مداه كما كان في الأحزاب، والعدوُّ في غزَّة يضرب من البرِّ والبحر، ومن فوق الغزيين، ومن أسفلَ منهم، حتَّى تملَّكهم الخوف وأحاطت بِهم الشَّدائد، لولا أنَّ الله تعالى ربط على قلوبِهم، وثبَّت أقدامَهم، وفي الأحزاب يقول الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}(الأحزاب: 10 – 11).
وفي الأحزاب لَم يحقِّق الغُزاة مرادَهم؛ بل رجعوا على أعقابِهم خاسرين، وفي غزَّة انسحب الصهاينة خاسرين، فلم يتحقَّق شيءٌ من أهدافِهِم.
لقد كان أهم هدَف اجتمع عليه اليهودُ مع سائر الكفَّار والمنافقين القضاء على الفئة المؤمنة، التي رفعت راية التَّوحيد في الصِّراع مع الصهاينة، وإعادة القوَّة للفئة العلْمانيَّة المنبطِحة التي رفعت راية الجاهليَّة الأولى، فعجزوا عن ذلك أشدَّ العجْز، وفي المبادئ العسكريَّة: الضربة التي لا تُمِيتُ تُقَوِّي.
وكان من أهدافِهم المهمَّة: القضاء على سلاح الفئة المجاهدة المُرابطة، وإيقاف الصَّواريخ التي سمِّيت كرتونيَّة وعبثيَّة لئلاَّ تسقُط على اليهود المذْعورين منها، فلم يستطِع جنودُهم المدجَّجون بالسلاح دخول غزَّة، وألقى الله تعالى الرُّعب في قلوبِهم فلم يراوِحوا أماكِنَهم، وصوَّرت العدسات بعضَهم وهم يهربون مذعورين من تكبير المُجاهدين الغزيين.
وكان من أهْداف الصَّهاينة: الوصول إلى وقْفٍ دائم لإطْلاق النَّار بشروطِهِم وإملاءاتِهم، فإذا هم يُوقفون إطْلاق النَّار من طرف واحد، في غاية الهزيمة والاندحار والهوان.
وكان من أهدافهم: تَحرير الجندي الأسير (جلعاد شاليط) لرفْع معنويَّات جنودِهم، وإعادة الهيبة لكيانِهم وأمْنِهم، ففشلوا في ذلك فشلاً ذريعًا؛ بل كاد الغزيُّون أن يأسِروا غيرَه لولا أن الطائرات قتلتْه؛ لئلاَّ يقع في الأسْر.
إضافة إلى أنَّ الشعوب المسلِمة وغير المسلمة كرِهوا الصَّهاينة بسبب أفعالِهم، وعرفوهم على حقيقتِهم التي كان الإعلام المُمالئ لليهود يُخفيها عن النَّاس، وازداد الوعْي عن ذي قبل، ويتوقَّع أن تكون معركة العزَّة في غزَّة سببًا لإسْلام كثيرٍ منهم؛ لما رأَوْا من صمود عجيب لا يُمكِن تفسيرُه إلا بأنَّه عناية ربانيَّة، ومدد إلهي ربط الله تعالى به على قلوب الغزِّيين، وقذَف الرعب في قلوب اليهود.
ومن عجيب تثبيتِ الله تعالى لهم، وربطِه على قلوبِهم أنَّهم زُلْزِلوا بالقنابل زلزالاً شديدًا حتَّى مادتْ بِهِمُ الأرض، وما تزحزحوا عن مواقِفِهم شعرة، يستوي في ذلك جندُهم وعامَّتُهم، ومنهم مَن فقدوا آباءَهم وأمَّهاتِهم وأزواجَهم وأولادَهم، وهُدِّمت ديارهم، ودمِّرت مزارعُهم، وأفنيت أسرهم، وهم يلهجون بِحمد الله تعالى وذكرِه والثَّناء عليه وتمجيدِه، ويستغيثون به وحدَه لا شريك له؛ بل منهم مَن فقدوا أطرافَهم أو أبصارَهم، وابتسامةُ الرضا عن الله -تعالى- والتضحية في سبيله تزيِّن وجوهَهم، فإذا لم يكن هذا هو الثباتَ، فما هو الثباتُ؟! وإذا لم يكن هذا هو الإيمانَ واليقين، فما هو الإيمان واليقين؟!
لقد حوَّل الغزيُّون العقيدة والتوحيد، والإيمان بالقدر، والتضحية في سبيل الله – تعالى – إلى واقع عملي مشاهَد بعد أن أفسدتِ الماديَّة كثيرًا من القلوب، ورانتْ على النفوس، وأضعفتِ الإيمان واليقين، ولا أحنَثُ لو أقسمتُ أنَّ كفَّارًا سيبحثون عن سرِّ هذا الثبات فيجدونه في الإيمان، فيكون ذلك سببَ إسلامِهم.
حدَّث أحد الشيوخ الغزيين بأنَّه لا يكاد يصدِّق ما يرى في الشَّاشات، من حال المكلومين، لا يوجد أم ثكلى، ولا أب فقَد أولادَه، ولا ولد فقد أهلَه، إلا وهم يقولون: لنا الله، وحسبُنا الله، والله معنا، والحمد لله، عكس ما كانوا عليْه في نكباتِهم السَّابقة؛ إذ كان الجزَع مسيْطِرًا عليْهم؛ فالحمد لله الذي أيْقظ قلوب أهل غزَّة، فتعلَّقت به وحده دون سواه، والحمد لله الذي أيقظ بأهْل غزَّة أمَّة كاملة كانت تغطُّ في سُباتها.
وإنَّنا لنرجو الله – تعالى – أن يكون ما بعد معركة العزَّة في غزَّة كما كان ما بعد غزْوة الأحزاب؛ فإنَّها كانت منعطفًا مهمًّا في حرْب النبي للمشركين؛ كما روى سُلَيْمانُ بن صُرَدٍ ] قال: سمعت النبي يقول حين أجْلَى الأَحْزَاب عنه: >الآنَ نَغْزُوهُمْ ولا يَغْزوننا، نَحْنُ نَسيرُ إليْهِم<(رواه البخاري).
وإنَّ بوادر ذلك لتلوح في الأفُق، وإنَّه لقريب بإذن الله تعالى، فجزى الله المُرابطين في غزَّة عنَّا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وتقبَّل قتلاهم في الشُّهداء، وعوَّضهُم عمَّا فقدوا خيرًا ممَّا فقدوا، وارزقهم الثبات واليقين، آمين يا رب العالمين.