إن الدعوة إلى الله تعالى مهمة كبرى، وأمانة عظمى أداها الأنبياء والرسل عليهم السلام حق الأداء، لما آتاهم الله تعالى من قوة على حملها، وقدرة على أدائها. ومن هؤلاء الرسل نوح عليه السلام الذي كان له حضور قوي في القرآن الكريم من خلال سورة نوح.
منذ آدم عليه السلام إلى نوح عليه السلام والناس يتعبدون بالعقيدة الصافية، وقد قدر العلماء هذه المدة بعشر قرون، جاء في صحيح البخاري : >كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام< بعذ ذلك استجدت أمور جعلت الناس يبتعدون عن عقيدة التوحيد الخالص، قال الله تعالى في سورة نوح : {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودّا ولا سواعا ولا يغوثا ويعوق ونسرا}(الآية : 23).
قال ابن جرير الطبري بأن هذه الأسماء تدل على أن هناك رجالا كانوا صالحين، فلما مات هؤلاء الأئمة دبّ الشيطان إلى أتباعهم فوسوس لهم بأن يتخذوا صورا تذكرهم بدرجة الإيمان، وعندما تباعد الزمن اتخذوهم آلهة من دون الله.
> أساليب الدعوة عند نوح عليه السلام :
دعا نوح عليه السلام قومه بأنواع الدعوة في الليل والنهار، والسر والجهر، بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وكل هذا لم ينفع فيهم بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام والأوتان ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان وتنقصوه وتنقصوا من آمن به وتوعدهم بالرجم والإخراج ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم(1) قال تعالى : {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، ثم إني دعوتهم جهارا وأسررت لهم إسراراً، فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم أنهارا، مالكم لا ترجون لله وقاراً، وقد خلقكم أطوارا}(الآيات : 5- 14).
فأسلوب الترهيب يتمثل في قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام {اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}(الأعراف : 59).
وأسلوب الاستدلال يتجلى في قوله تعالى : {وقد خلقكم أطوارا} كما استعمل نوح عليه السلام المجادلة بالتي هي أحسن {قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين} أي لست كما تزعمون من أني ضال بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين أي الذي يقول للشيء كن فيكون {أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون}.
وهذا شأن الرسول أن يكون بليغا أي فصيحا ناصحا أعلم الناس بالله عز وجل(2) وقالوا له فيما قالوا {ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين}(هود : 27).
فأجاب نوح عليه السلام {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}.
وهذا تلطف في الخطاب معهم، وترفق بهم في الدعوة إلى الحق، كما قال تعالى : {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} إشارة إلى موسى وهارون عليها السلام مع الطاغية فرعون. وهذا أسلوب متميز في الدعوة إلى الله تعالى يجب على الدعاة في عصرنا أن يستعملوه نظرا للثمرة التي يأتي بها، وقال الله تعالى : {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}(النحل : 125).
وقد تطاول الزمان والمجادلة بين نوح عليه السلام وبين قومه، وكلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته.
وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه وصاه فيما بينه وبينه أن لا يؤمن بنوح أبداً ما عاش، ودائما ما بقي. وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق ولهذا قال : {ولا يلدوا إلا فاجرا كفاراً}(3)، فأوحى الله تعالى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن {فلا تبتئس بما كانوا يفعلون}(هود : 36) وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه، أي لا يسوأنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجيب. فلما يئس من صلاحهم وفلاحهم، وآذوه وخالفوه وكذبوه، دعا عليهم دعوة غضب فلبَّى الله دعوته وأجاب طِلبته {قال نوح رب لا تذر الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}(نوح : 27).
فعند ذلك أمره أن يصنع الفلك وهي السفينة العظيمة، فنجاه والذين معه من الغرق، ووقع الكفار والمعاندون في العذاب بسبب كفرهم وعنادهم واستهزائهم فكانوا من المغرقين.
ذ. حكيم بوعزة – وجدة -
—
1- قصص الأنبياء لابن كثير ص 73.
2- نفس المصدر، ص : 73. // 3- نفسه، ص 75.