أنزل الله القرآن الكريم على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فأخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه، وفتح به قلوبا غلفاً وآذانا صما وأعينا عميا، وبذلك ارتقت هذه الأمة من مستوى العبودية للشيطان والهوى وعبادة الأصنام إلى مستوى العبودية لله وحده المستحق للعبادة دون سواه، وأُعطيت هذه الأمة وِساماً لم تعطه أمم أخرى من قبل، يتجلى ذلك في قوله تعالى : {كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله}(آل عمران : 110)، ولكي تحافظ على هذا الوسام الرباني أُمِرت بإقامة العدل بين الناس وإشاعة الصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح والنصح لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين عامة، عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم<(رواه مسلم)، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح والإرشاد وفعل الخير.. تستحق هذه الأمة هذا الوسام، وبغياب ذلك يحل محله الهلاك والدمار والخسران، لذلك فالمسلمون كلهم مسؤولون عن التقصير عما يجب القيام به من نصح وإرشاد ودعوة إلى الله وبيان للناس ما يجب بيانه والقيام بما يجب القيام به… إلا أن هذه المسؤولية تتعاظم عند طائفة وتخف عند أخرى، ومن هنا يخطئ الكثير عندما يعتقد أن المسؤولية ملقاة على عاتق بعض دون سواهم، وكأن الأمر أضحى من تكليف العلماء والفقهاء والدعاة والأئمة دون سواهم، أي غير هؤلاء مرفوع عنهم القلم وأعفوا من مسؤولية التبليغ… صحيح أن العلماء والدعاة مسؤوليتهم أعظم من غيرهم لأن الأمة بحاجة إليهم أكثر من غيرهم، لكن هذا لا يعفي غيرهم من القيام بواجب التبليغ وإعطاء الصورة الحسنة للمسلم الحقيقي، فإذا كان واجب العلماء والدعاة هو بيان الحلال والحرام وتبليغه للناس من غير أن يخشوا في الله لومة لائم، فإن مسؤولية السلطان أو القاضي مثلا هي إقامة العدل، والأخذ على يد الظالم ورد المظالم إلى أهلها، والأستاذ أو المعلم دعوته تكمن في تنشئة تلامذته تنشئة المعلم الرسول >كاد المعلم أن يكون رسولا< والأب دعوته أو واجبه الكوني في أسرته تربية أبنائه تربية حسنة، والتاجر دعوته في متجره في أن يكون صادقا غير مدلس ولا غشاش، بل حتى الجالس على قارعة الطريق الذي لا شُغل له دعوته تكمن في إعطائه حق الطريق من رد السلام وغض البصر وإماطة الأذى عن الطريق..
وهكذا يصبح المجتمع كله داعيا إلى الله بجميع شرائحه وأطيافه، كل حسب موقعه وإمكانياته، وبهذا المفهوم الواسع في الدعوة إلى الله يُمكن أن تصبح الأمة {خير أمة أخرجت للناس…} وأن ترتقي من براثن التخلف وغياهيب الضلال إلى مستوى العزة والكرامة والمجتمع النافع الصالح تحت مظلة شريعة الله ومنهاجه، وهذا ما وجدناه بالتمام والكمال مع خريجي مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أعطوا القدوة الحسنة والنموذج الحسن لجميع الخلائق بأخلاقهم وسلوكاتهم الحسنة وقد أدى كل واحد منهم واجب الدعوة والتبليغ على قدره وبحسب منصبه في جد وصدق وإخلاص.
ادريس السني العلمي – وجدة -