إن ديننا الإسلامي في حاجة ماسة إلى من يرُدُّ عنه كيد الكائدين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، وخصوصا في هذا الزمان الذي تكالبت فيه كل الفئات الباغية على النيل منه، والتنقيص من شأنه، والحط من قدر أهله.
وإن من أهم الوسائل التي يمكن أن يخدم بها المسلم دينه هي: وسيلة الدعوة إلى الله تعالى بكل الوسائل وجميع الأساليب والطرق والتقنيات المتاحة، والدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه الحنيف لاشك أن لها أهدافا ومرامي تفيأ من ظلالها الأولون ويتفيأ من ظلالها اللاحقون.
ولعل أكبر وأهم مقاصد الدعوة إلى الله عز وجل في زماننا هذا الذي تعرف فيه المجتمعات المعاصرة كثيرا من المعضلات ، وتتخبط في العديد من المشاكل خصوصا في المجال الاجتماعي، هي تحقيق الاستقرار والأمن والطمأنينة الاجتماعية والتي تؤدي بشكل آلي إلى تشكيل نسيح اجتماعي مطبوع بحب الاستقرار والتآلف والاندماج.
وبما أن المقاربة التي رمنا الكشف عنها في هذا السياق مبنية بالأساس على الدراسات الأصولية في المجال الدعوي ، فتشترط على الداعية المخلص في دعوته الذي له هم يحمله، ومشروع يسعى إلى تحقيقه ، أن يراعي في المجال الدعوي مجموعة من الضوابط والقواعد التي سطرها علماء أصول الفقه في كتبهم، والتي تجعل لعمله ثمرة ظاهرة ونتيجة واضحة تتجسد في تحقيق الأمن الاجتماعي عن طريق الدعوة بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن ، وهذه القواعد هي:
1- مراعاة أعراف الناس وعاداتهم وتقاليدهم التي لا تخالف الشريعة، وذلك بعدم الطعن فيها أو التنقيص من شأنها حفظا للاستقرار الاجتماعي وترسيخا لأرضية اجتماعية هادئة بعيدة عن ردود الفعل المتشنجة في جميع الميادين ومختلف الأصعدة.
2- تربية الناس وخصوصا الناشئة على تقبل الرأي المخالف وفق الآداب والقواعد المنصوص عليها في الشرع، لا وفق ما تمليه الأهواء والميولات والنزعات الفردية والرغبات الشخصية ، وهذا الضابط إن تحقق لا شك أنه سيحدث في المجتمع تفاعلا إيجابيا وتماسكا واضحا، وبذلك نستطيع أن نكون شخصيات متوازنة تضع في حسابها عند كل تصرف تقدم عليه أو حكم تنطق به كل التوازنات والحساسيات والاتجاهات فتراعيها لدى اتخاذ القرارات والمواقف، وبذلك يصير تقبل الرأي المخالف لدى أفراد المجتمع شعورا نفسيا وتصرفا تلقائيا.
3- استحضار المقاصد العامة للشريعة الإسلامية أثناء القيام بواجب الدعوة، تلك المقاصد التي تحتكم إلى جلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها ، وهذا الأمر لا يتأتى للداعية إلا إذا كان ينزع في عمله إلى الصلاح والإصلاح على الصعيد العام، وفي تدبير الشؤون كلها، ولعل أهم ما يساعد الدعاة اليوم على رعاية مقاصد الشارع من التشريع، فقه الأوليات الذي يتطلب التدرج في الدعوة ويعتمد على تقديم الأهم على المهم.
4- مراعاة مآل وعواقب الأمور، وهذا ما يحتم على الداعية أن تكون لديه ملكة تقدير النتائج بناء على نظرة شمولية ومستقبلية لمآلات الأقوال والأفعال، وهذه القاعدة تعد أعمق عامل يمكن أن يحقق آثارا إيجابية على مستوى المحافظة على الأمن الاجتماعي باعتبارها تغرسه في نفوس الدعاة من موازنات بين الإقبال على دعوة الناس إلى فعل شيء معين، وبين الإحجام عن الدعوة إلى ذلك عند الاقتضاء وفق ظروف الزمان والمكان وأحوال المعنيين بالخطاب الدعوي أمرا ونهيا.
إن أخذ هذه القواعد الاصولية بعين الاعتبار في المجال الدعوي لا ريب أنه سيحقق الغاية المتوخاة منه في المجال الاجتماعي ، والمجتمع المعاصر في العالم كله ليس في حاجة إلى شيء أكثر من ضمان الأمن الاجتماعي والسلامة الاجتماعية، وبما أن الإسلام هو دين سلام، فلا شك أن الدعوة إليه دعوة في الوقت ذاته إلى إحلال الأمن الاجتماعي بين ظهراني العباد والبلاد.
ذ. إبراهيم والعيز