…إن المتتبع لبعض الإذاعات الخاصة عندنا ليصاب بالغثيان مصحوبا بارتفاع ضغط حاد في الدم لأن القائمين عليها قد فقدوا دمهم وهم يقدمون برامجهم التافهة شكلا ومضمونا. فأما شكلا، فلغة هجينة لا هي عربية فصحى جميلة ولا هي دارجة مستقيمة ولا فرنسية محترمة، بل خليط هجين من كل هذا، وكأني بهؤلاء يستكثرون على المغاربة مخاطبتهم بلغتهم الأم الجميلة ولسان حالهم يقول لهم (بزاف عليكم) فهم اللغة العربية الفصحى مع أن المغاربة كانوا من أكثر الشعوب العربية متابعة وتفاعلا مع جميع البرامج السياسية والتحليلية التي كان يقدمها القسم العربي بإذاعة (البي بي سي) البريطانية باللغة العربية الجميلة منذ ستينيات القرن الماضي وهو ما أسهم في تكوين الاغتراب تكوينا رائعا في اللغة العربية والتحليلات السياسية حتى أصبح حتى الأميين وقتها من كبار المثقفين والمحللين السياسيين عن طريق السماع اليومي والتفاعل الإيجابي لتلك الإذاعة الرائدة فعلا. كان ذلك أيام زمان، أيام عزة اللغة العربية قبل أن تتحول إلى مسخ
على أيدي بعض أدعياء الإعلام في بعض إذاعات آخر الزمان مع الأسف الشديد. ومما يزيد طين هذه الإذاعات بلة، تلك الطريقة المائعة التي يتحدث بها المذيعون و”المذيعات” : تكسر وتصنع وحذلقة وقلة أدب، يحدثونك في كل شيء وعن لا شيء. فتشعر أنك أمام شلة من الصبايا والشبان جالسين على مقهى يتجاذبون أطراف أحاديث مختلفة ويتصلون من حين لآخر بمتتبعين من هنا وهناك لإثراء الدردشة فيزداد الكلام تشعبا وتفاهة واستخفافا بعقول الناس لتخرج في النهاية (إن كنت من الصابرين) بصداع فضيع في الرأس فتلعن الإذاعة والإذاعيين والناس أجمعين!!
هذا عن الشكل، أما عن المضمون فحدث ولا حرج. مواضيع قد تكون مفيدة لكن طريقة طرحها وتحليلها تغلب عليها السطحية والارتجال مما يفقد تلك المواضيع جديتها وأهميتها. فلا جدية في التحليل ولا عمق في الآراء، ولا هم يحزنون!! تحاليل سطحية ولغة خشبية مشروخة من كثرة الاستعمال. فتضيع الفائدة من الحوار أو على الأصح الدردشة وتذهب ريحها. قبل أيام قليلة اضطرتني ظروف سفر لمتابعة إحدى هاته الدردشات على أمواج إحدى الإذاعات، الموضوع المطروح يتمحور حول أهم الأسباب الكامنة وراء استفحال ظاهرة الطلاق في مجتمعنا، ضيفة الحلقة دكتورة في علم النفس مع أنه كان من الأفيد إشراك أحد علماء الدين لمزيد من الفائدة ولارتباط الموضوع ارتباطا قويا بالأحوال الشخصية التي هي من اختصاص الدين حسب الدستور، لكن يبدو أن الدين عند هؤلاء لا رأي له في قضايا الناس فيكفيه أن يهتم بالطهارة وتغسيل الموتى وتقسيم الميراث فقط. فهؤلاء يقفون عند قوله تعالى : {ألا له الخلق…} وهذا الأمر ظهر بجلاء في البرنامج الذي نحن بصدد الحديث عنه، المهم تشعب الحديث وخلص الجميع تقريبا ضيفة ومتدخلين إلى أن إدمان الخمر والسكر لدى الأزواج هو من أهم أسباب تفشي ظاهرة الطلاق في مجتمعنا، فقلت في نفسي الحمد لله ربما سيتطرق أحدهم إلى حكمة الإسلام من التشديد على تحريم الخمر وأنه قد يستدل بالعديد من الآيات والأحاديث في هذا الباب… انتظرت قرابة الساعة والنصف مدة البرنامج وارتد السمع إلي خاسئا وهو حسير فلم يأت أحد بما كنت أنتظر و(الهانم) الدكتورة أشبعتنا كلاما عن أضرار الإدمان على الخمر وانعكاساته على الصحة النفسية للمدمن، وعن تأثيراته السلبية على تماسك الأسرة، وعن القوانين الزاجرة لمنع الظاهرة، وكلام فضفاض في العموميات.
وهكذا تخرج عزيزي المستمع، عزيزتي المستمعة (من المولد بلا حمص) كما يقول إخواننا في مصر لا فائدة ولا عمق في التحليل بل الأدهى أنه يخيل إليك أنك تتابع برنامجا على أمواج إحدى إذاعات (الخواجة) التي لا دين لها ولا مرجعية. وكأنهم يخاطبون شعوبا من جزر (الهونولو)لا دين لها ولا مبادئ تحكم حياتها. اتقوا الله فينا يا أصحاب هذه الإذاعات الغريبة، وكفاكم احتقارا لعقول المغاربة مرتين، مرة بمسخ لغتهم ومرة بتغييب دينهم عند مناقشة أمور دنياهم… ربنا لا تواخذنا بما فعل السفهاء منا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.