وُلِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الاثنين، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ من شهر ربيع الأول، عامَ الفيل(1) …
فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أُمُّه صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إلى جَدِّه عبدِ المُطَّلب أَنْ قَدْ وُلِدَ لك غُلام، فَأْتِهِ فَانْظُرْ إليه، فأَتاهُ فنظر إليه، وحَدَّثَتْه بما رأتْ حين حَمَلَتْ به، وما قيل لها فيه، وما أُمِرَتْ به أن تُسَمِّيَهُ (2).
فَيَزْعُمون أنَّ عبدَ المُطَّلب أخذه، فدخل به الكعبةَ؛ فقام يَدْعُو الله، وَيَشْكُرُ لَهُ ما أعطاه، ثُمَّ خرج به إلى أمِّه فدفعه اليها.
والْتَمَسَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرُّضَعَاءُ؛ …فاسْتَرْضَعَ له امرأةً من بني سَعْدِ بن بَكْر، يقال لها : حَلِيمَةُ، ابنةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ… عبدِ الله بن الحارث… بنِ سَعْد بن بَكْر بن هَوَازِن.
واسمُ أبيه الذي أرْضَعَهُ صلى الله عليه وسلم : الحارثُ بنُ عبد العُزَّى…بن سعد بن بكر بن هَوازِن.
وإخوتُه من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأُنَيْسَةُ..وحُذافةُ..وهي الشَّيْمَاءُ..وهُمْ لحليمةَ بتِ أبي ذُؤَيْبٍ…
ويذكرون أنَّ الشَّيماءَ كانت تحضُنُهُ مع أُمها…(ج1/157-161).
ب- مما يستفاد من النص :
1- اختيار الزمن الصالح للعمل الصالح، والأعمال تَشْرُفُ أو تزداد شرفا بالأزمنةِ والأمكنةِ التي أُنجزت فيها، كما أنَّ الأزمنةَ والأمكنة َتَشْرُفُ أو تزداد شرفا بسبب الأعمال. ولكلِّ ذلك شواهدُ معلومةٌ ، ومنها هذا اليوم المبارك: يوم الاثنين؛ فهو يومٌ تُفتحُ فيه أبوابُ الجنَّة، وتُعرضُ فيه الاعمال كيوم الخميس “فيغفر الله لكل امرئٍ لا يُشركُ بالله شيئاً إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شَحْنَاءُ، فيقول: (اتركوا هذين حتى يصْطَلِحَا)”(رواه مسلم). لكنه يومٌ ازداد بركةً وشرفاً باختياره لولادة سيد وَلَدِ آدمَ، بل واختياره لبِعْثَتِهِ وإنزالِ أشرَفِ رسالة عليه، بل إنه هو أيضا اليوم الذي سيشرف بالتحاقه صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى، “حين اشْتدَّتِ الضُّحى من يومِ الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ، وقد تمَّ له ثلاثٌ وستون سنة”(الرحيق المختوم ص534).
فاللهم صلِّ عليه وسلِّمْ عدَدَ خلقِكَ ورِضَاءَ نَفسِكَ وزِنَةَ عرشِكَ ومدادَ كلماتِكَ.
2- الإسراع بتبشيرِ المُحبِّ بما يحبُّ تعجيلاً لإدخالِ السرور عليه :(فلما وضعتْ..أرسلتْ إلى جده…) وهو خُلُقٌ كريم أقرَّهُ الإسلام. قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام : {فلمَّا أَن جاءَ البشيرُ ألقاهُ على وجهِهِ، فارتَدَّ بصيراً}.
3- التَّعجيلُ بشكرِ النِّعمِ، وإنما النِّعمُ كلُّها من الله: {ومابكم من نعمةٍ فمن اللهِ}. والتعجيل بالشكرِ فِعلٌ لخيرِ البِرِّ؛ إذ خيرُ البرِّ عاجِلُهُ. وحسناً صنع عبد المطلب في زمانِهِ؛ إذ (أخذه، فدخل به الكعبة، فقام يدعو الله ويشكر له ماأعطاه). وقد نظَّمَ الإسلامُ شكرَ نعمة الولدِ بسُنَّةِ العَقِيقَةِ وغيرها، كما هو معلوم.
4- تأكيدُ المُستفادِ الثالث في الحلقة الأولى؛ وهو أنَّ صُلْبَ جهلِ الجاهليةِ القرشيَّةِ الشِّركُ بالله تعالى، لا إنكارُ وُجُودِهِ (.فقام يدعو الله ويشكر له…).
5- اِلتماس الأصلح الأنفع للرضيع غِذاءً وهواءً، لَبَناً ولساناً، من حُسنِ الرِّعايةِ والنُّصْحِ له حالاً ومآلاً. وقد كانت باديةُ بني سعدِ أنقى وأصحُّ هواءً من مكَّةَ، وأصحُ وأفصحُ لساناً وبياناً، فكان بذلك صلى الله عليه وآله وسلم صَحِيحاً فصيحاً بل”أفصحُ العربِ” كما قال.
6- حُبُّهُ صلى الله عليه وآله وسلم جعلَ أُمَّتَهُ تُسمِّي بالنِّسبةِ إلى كثير مما يتَّصلُ به، ومن ذلك التَّسميَّةُ ب” السَّعدِيَّةِ ” نسبة إلى بني سعد حيثُ أرضع.
————-
1 ويوافق ذلك ..شهر أبريل سنة571م (الرحيق المختوم68) . وعام الفيل هو العام الذي قاد فيه أبرهةُ الحبشيُّ جيشه من اليمن لهدم الكعبة، فأرسل الله عز وجل {عليهم طيراً أبابيلَ، ترميهِم بحِجارةٍ من سجِّيلٍ، فجعلَهم كعصفٍ ماكولٍ}.
2قال بن اسحاق: ويزعمون -فيما يتحدث الناس والله اعلم- أن آمنةَبنتَ وهبٍ أُمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدِّثُ أنها أُتِيَتْ، حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: إنكِ قد حملت بسيد هذه الأمَّةِ، فإذا وقع في الأرض فقولي: أُعيذُه بالواحد، من شر كل حاسدٍ، ثم سمِّيه محمدا. ورأت حين حملت به أنه خرج منها نورٌ رأت به قُصورَ بُصْرَى، من أرضِ الشام< (السيرة النبوية لابن هشام1/157-158)