“السِّي عبد الله” مُعَلِّم من الزمن الجميل، أحَبَّ مهنته بشغف كبير، لعلمه أن تربية الأجيال هي رسالة اضطلع بها الأنبياء والدعاة وأهل الصلاح، لم يتأفف يوما من وضعه الاجتماعي، ولم يَهْو ارتقاء السلالم والدرجات، كان راضيا قنوعا بما قسمه الله له من هذه الوظيفة النبيلة.
ظل السي عبد الله طيلة مسيرته المهنية وفيا لمبادئه الراقية، فكان يستيقظ قبيل أذان الفجر، ويؤدي فريضته، ويشرع في التهيؤ ليوم حافل بالعطاء، كان أول من يلج المدرسة ويرص صفوف التلاميذ وهم يؤدون تحية العلم الوطني، وما إن يدخل حجرة الدرس حتى يشرع في شحن عقولنا الصغيرة بالمعارف والحكم، كان لا يجلس إلى مكتبه فهو دائم الحركة ما بين الصفوف، يتكلم مع هذا.. ويتفقد كراسة هذا.. وكنا نتساءل نحن المتعلمين عن سر هذا الحماس الزائد الذي يتمتع به السي عبد الله، ومن أي معدن قُدَّ هذا الرجل؟ أشد ما يعكر صفوه أن يحس أن أحدا من تلامذته لم يستوعب فكرة ما، فكان يبذل قصارى جهده لإيصال المعلومة والتأكد من وصولها للتلميذ المعني، وعندما تقترب امتحانات نهاية السنة كان يتطوع بلا مقابل لإعطاء دروس الدعم والتقوية لكل من يرغب في ذلك، فكانت حجرة الدرس تكتظ ما بعد انتهاء الحصة بالتلاميذ من داخل فصله وخارجه.
السي عبد الله اليوم رجل متقاعد، يذهب كل شهر لمكتب البريد بحيه ليتسلم معاشه الهزيل فتبتسم له موظفة الشباك وهي تسلمه معاشه، فقد كانت إحدى تلميذاته، وما أكثر من تتلمذ على يد هذا الرجل العظيم الذي ظل يؤدي مهنته في صمت وشرف..
فأين نحن من هذه النماذج التي تعلمت أن الحياة عطاء وبذل، وتعلمت أن تؤدي واجبها قبل المطالبة بحقوقها..
أيها المربون الكرام، أيها الأساتذة العظام.. خذو العبرة من السي عبد الله، لأن المناهج والبرامج وحدها لا تكفي.