قال الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون، لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} (الأنبياء: 101- 103).
مسكين هذا الإنسان الغافل، ألهته شهواته البهيمية وشغلته أمواله الفانية، فلا تجده إلا مفكرا في أعماله اليومية، ولا تلقاه إلا راكضا وسط أمواج هذه الحياة الدنيوية وقد نسي أن يفكر فيما ينتظره من شدائد وأهوال، وما يحدق به من أخطار!
ماذا لو فكرت -أخي- في مصيرك حين يفزع الناس، ويضطربون {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وكلٌّ أتوه داخرين} فكر في ذلك، وحاسب نفسك بصدق، ثم انظر من أي الفريقين أنت؟.
وها هم أولاء عباد الله الصالحون، وأولياؤه المقربون الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى فأبعدهم عن النار، وأبعدها عنهم بعدا شديدا بحيث لا يلفحهم حرها ولا يروعهم منظرها، ولا يسمعون صوتها، وأكرمهم بالخلود فيما اشتهت أنفسهم من نعيم مقيم، قد حفظهم من أن يحزنهم الفزع الأكبر، وإذا حفظهم من الفزع الأكبر فإن حفظه لهم مما هو دون ذلك من الأفزاع مما لا شك فيه، فهل سألت نفسك يوما عن هذا الفزع الأكبر ماهو؟ وهل دعوت ربك الرحمان الرحيم، الغفور الكريم أن يحفظك من أحزانه كما حفظ أولياءه وأصفياءه؟
قال ابن عطية رحمه الله : >والفزع الأكبر عام في كل هول يكون في يوم القيامة، فكأن يوم القيامة بجملته هو الفزع الأكبر< فما أكثر أهوال القيامة وما أشدها وما أخطرها! هناك “يحشر الناس حفاة عراة غُرْلاً. قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله : الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض!، فقال : >يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض<(متفق عليه). هناك يحشر أناس كانوا في الدنيا أبطالا و”نجوما” و”رموزاً”.. {على وجوههم عميا وبكما وصما، مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا}! هناك >تُدنَى الشمس من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيْه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما<(رواه مسلم)، هناك >يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم<(متفق عليه) هناك يؤتى بالنار تستعر {وجيء يومئذ بجهنم، يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى}؟! عن عبد الله بن مسعود ] قال : قال رسول الله : >يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام! مع كل زمام سبعون ألف ملك!<(رواه مسلم) فاللهم عفوك وعافيتك يارب!.
هناك يمنع ناس من ورود الحوض لأنهم بدلوا وغيروا، وما برحوا يرجعون على أعقابهم، هناك يبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ومالا يحتملون، ويبحثون عمنيشفع لهم إلى ربهم سبحانه، فيأتون آدم عليه السلام ويقولون : يا آدم : أنت أبو البشر.. اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ ومنه إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى عيسى، ومن عيسى إلى محمد دون ملل ولا كلل لهول الموقف وشدته على الناس!.
هذه الأهوال، وتلك الأخطار أبصرها علي والحسن ابنا صالح رحمهما الله بقلوبهما وبصيرتهما، وقد سمعا رجلا يقرأ {لا يحزنهم الفزع الأكبر}، فعن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي قال : كنت عند ابني صالح، ورجل يقرأ {.. لايحزنهم الفزع الأكبر} فالتفت علي إلى أخيه الحسن، وقد اخضر واصفر، فقال : يا حسن >إنها أفزاع وأفزاع< ورأيت الحسن أراد أن يصيح، ثم جمع ثوبه فعض عليه حتى سكن عنه، وقد ذبل فمه، واخضَارّ واصفارَّ<(سير أعلام النبلاء 370/7 وحلية الأولياء 370/7).
إنها إذن أفزاع وأفزاع ينجي الله منها الصالحين، ويحفظ منها المتقين، قال تعالى : {من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون}(النحل..) وقال تعالى : {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا، وهم في الغرفات آمنون}(سبأ..) وقال جل شأنه : {أفمن يلقى في النار خير أم من ياتي آمنا يوم القيامة}(فصلت ..) اللهم اجعلنا من الآمنين يوم القيامة، ممن لا يحزنهم الفزع الأكبر.
برحمتك يا أرحم الراحمين.