مرت أيام طويلة ثقيلة على العدوان على العراق ومحاولات غزوه من قوى ظا لمة تكالبت علينا من كل جانب، قوى حاقدة متربصة لم تكن لتجرؤ على خير أمة أخرجت للناس لولا أننا ملكناها أنفسنا بأنفسنا. وهذا التملك ليس وليد اليوم بل حلقات متصلة ابتدأت أول حلقة منها منذ انهيار العزة في نفوس المسلمين بتسليمهم للأندلس، ثم تتابعت حلقات التملك والانقياد والتبعية في معظم بلاد المسلمين في العصر الحديث بشتى أشكالها وألوانها، وتولى أفراد ممن ساسوا الأمة مهمة إذلال الشعوب الإسلامية وإرغامها على لوك الخنوع والاستسلام و نزع فتيل الكرامة والعزة والشرف، وإلهائها بلقمة العيش أو بصراعات جانبية داخل القطر الواحد أو خارجه بينه وبين صاحبه المسلم . ولم نعد نحس بالجراح المتعفنة التي تنزف في كل جزء من أجزاء هذا الجسد الذي ما زال فيه رمق الحياة رغم التعفن وانتشار رائحة النتن التي لا تؤثر فينا، لأننا والعياذ بالله مصابون بداء الزكام المزمن، إلا من رحمه الله وترك له إحساسا يميز به الخبيث عن الطيب . وفي وسط الجراحات غير المعلنة يظل جرح بارز لم يستطع أحد منا أن يتجاهله أو يحد من نزيفه المستمر، وهو جرح فلسطين، وتحاول الأمة أن تفعل شيئا بدءا بالانتفاضة إلى التعبير الشعبي، لكن هذا الشيء سرعان ما ينتفض ويهوي لا يملك حراكا . لتظل الانتفاضة يتيمة لا تملك إلا أفراداً قلائل اشترى الله منهم أنفسهم بالجنة، ويظل حكامنا ومن والاهم يسبحون في مستنقعات الاستسلام والذلة والتبعية . وكلما تحركت مشاعرنا من وطأة هذه المآسي ندعو لهم، لكن الدعاء له شروطه التي لا نملك منها إلا الكلمات، أو نرفع شعارات مناسباتية لا تملك لهم شيئا، لأنها شعارات في أغلبها مؤقتة و تخدم المصالح الشخصية .ونزداد هوانا وذلة وتحالف الشر بزعامة الشيطان الأكبر أمريكا يمهد الطريق لقيام إسرائيل الكبرى بالقضاء على آخر جيوب مقاومة الأمة الإسلامية المتواجدة في العراق، بتعاون مع فئات عربية مجاهرة بالإسلام، وموالية للاستعمار شأنها في ذلك شأن غيرها في دول إسلامية أخرى، ونظل لا نفعل شيئا سوى مظاهرات غاضبة هنا أوهناك, وسرعان ما تخبو مشاعر الغضب كما خبت مثيلاتها في بداية الانتفاضة في فلسطين، ونظل في مستنقعات الهوان والاستسلام نلهث وراء تفاهات ستوردنا الهلاك في الدنيا والجحيم في الآخرة والعياذ بالله، وحتى لو فعلنا شيئا نظل لا نملك أي تأثير حتى على أنفسنا، أتدرون لماذا ؟؟ لأننا لا نملك بعد الإخلاص في القول والإخلاص في العمل .لم نأخذ بعد مبادرة جدية في تغيير أنفسنا أولا ثم إعدادها ثانيا لتلقي مختلف التحديات والصدمات والاستعمار بشتى أشكاله، ومواجهة كل هذا بما يستحقه من قوة, سواء كانت قوة الكلمة أو قوة العلم أو قوة الجهاد بنوعيه . ومن هذا المنبر أضيف صوتي إلى المجاهرين بالحق وأقول معهم : لا نظن أنفسنا بمعزل عن العدوان ما دمنا في منازلنا آمنين، بل إن الدور آت علينا لا ريب فيه إذا لم نتحرك بسرعة، إذا لم تتحرك الجمعيات والمنظمات المخلصة لدينها ولأمتها والمنابر الإعلامية الحرة وكل المثقفين الغيورين على هويتهم وأصالتهم وتخوض معركة الجهاد في نفسها بإخلاص ونية التغيير وإعلان التوبة من اللامبالاة والأنانية . إن دورنا في السقوط المادي آت بعد أن سقطنا معنويا في أعين العالم إذا لم تدرك الأمة نفسها وتنتفض وتتيقن أن الجهاد بالنفس والنفيس فرض عين منذ أن نجس الاحتلال الإسرائيلي أرض فلسطين .وحتى تعلم الأمة جميعا أن الجنة طريقها مليء بالابتلاءات، يقول تعالى : {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}(آل عمران.142) . ولنا في صمود وجهاد أهل فلسطين وأهل العراق رغم التفوق العسكري الذي يواجهونه ما يدفعنا إلى الثقة بأن الخير في هذه الأمة لن ينقطع رغم التكالب والعدوان وأن معركة الحق لن تنتهي مع الباطل وأعوانه، وإنا منتصرون إن شاء الله إذا أخذنا بأسباب النصر من إعداد النفوس والقوة وأخلصنا النية لله في القول والعمل، يقول تعالى : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ..} فهلا أعددنا العدة وانتصرنا على أنفسنا كي ينصرنا الله على أعدائنا ويرزقنا الشهادة في سبيله ..