هذه القاعدة من القواعد المنهجية في العمل الاسلامي، وهي تعنى بجانب التوجيه التربوي أكثر من عنايتها بالتكوين التربوي، وهي تهدف إلى ترشيد العمل الاسلامي داخليا، خصوصا فيما يتعلق بالاحتكاك الداخلي بين العاملين في الحقل الواحد.
فالحرث في أرض البور أو الارض المهملة أو الأرض المهداة أمر طبيعي مقبول ومشروع، أما وأن يتم الحرث في أرض الغير، علما أن هذه الأرض محروثة من قبل فذلك ظلم لصاحب الأرض وإضاعة للمحروث وإتلاف للوقت.
ومعنى ذلك أن المربي مطالب بالبحث عن الارض التي يريد حرثها بالتعرف على صلاحيتها لذلك أو عدمه، ثم إن علم صلاحها يتبين حالة ملكيتها وحرثها. فإن تأكد أن المتربي الذي يهدف إلى تربيته تربة طيبة قابلة للتكوين والعطاء، استفسره بطريقة طبيعية عن علاقته بالعاملين في الحقل الاسلامي، فإن ثبت أنه لاعلاقة تربوية تربطه بغيره أنذاك يتوكل على الله في تكوينه وتوجيهه.
وأما مجالات تطبيق هذه القاعدة فتبرز في العمل الاسلامي أكثر من غيره وعلا قتها بالمتربي تبدأ منذ اللحظة التي يتم فيها اصطفاؤه وانتقاؤه إلى أن يلقى الله، يتعلمها أولا ثم يربي بها فيما بعد.
فعلى المربي إذن أن تحصل له القناعة الكاملة بهذه القاعدة وبأهميتها في ترشيد العمل الاسلامي ككل بدءا بالمربي ومرورا بالمجموعة ثم بالجماعة ثم انتهاء بالجماعات العاملة في الحقل الاسلامي كلها.
فهذه القاعدة إن فهمت الفهم السليم المبني على احترام الاجتهادات الأخرى ثم طبقت من قبل مقعديها تطبيقا واقعيا مستمرا ومتواصلا، فإنها بإذن الله ستكون من اللبنات الجامعة العاصمة من التفرقة والحزبية المقيتة.
ثم على المربي أن ينطلق في تربية إخوته عليها تربية عملية مبينا لهم أن العاملين للاسلام كثر، وأن كل فرد يعمل فيإطار معين لايحق لنا أن نصطفيه للإطار الذي نعمل فيه، اللهم إن طلب ذلك بنفسه، وتبين أنه صادق في ذلك وأنه إن لم نأخذ بيده سيضيع ويتلف، وكل ذلك لايتم إلا بعد نصحه بالرجوع إلى إطاره الأول الذي بدأ العمل معه.
وعلى المربي أن يفرق بين الحرث وبين السقي، فهو لايحرث أرضا محروثة، لكنه يسقي الارض العطشى بما يفضل عليه من الماء، ومعنى ذلك أنه لايبخل بنصحه وإرشاده وإعانته لإخوته العاملين في الجماعات الأخرى، وأن يكون هدفه هو ترشيدهم وتوجيههم لا اصطفاؤهم واستيعابهم. لأن الأمور بمقاصدها.
وعلى المربي أن يكون واقعيا في تعامله مع هذه القاعدة فهو لايحرث أرضا محروثة ولايقبل أن تحرث أرضه المحروثة، وهذا يحتم عليه أن يكون راعيا لحقله متفقدا لنبتته، مزودا إياها بكل ماتحتاجه.
فإذا فرط المربي في رعاية وتفقد أحوال المتربي ربما يجده قد بدلت حالته، وحرث من قبل من لايعمل بهذه القاعدة.
ومما يمكن إدراجه ضمن هذه القاعدة الأمور الثقافية والاعلامية والنقابية وغيرها من الأعمال التي كفيت من غيرنا.
فكل عمل من هذا القبيل، أو ما أشبهه قام به غيرنا أحسن قيام، فإنه من اللازم علينا انسجاما مع هذه القاعدة أن لا نخوض فيه اللهم إن تعلق الأمر بالاضافة إليهأو الزيادة عليه، أو مخالفته في النوع والجودة.
وبالجملة فالعمل الاسلامي يحتاج إلى تظافر الجهود التربوية والثقافية والنقابية وغيرها من أجل أن تزداد فعاليته ويكثر عطاؤه، ويعصم من الحزبية المقيتة. ولن يحقق كل ذلك إلا بتربية القائمين عليه تربية تجمع ولاتفرق، ولعل هذه القاعدة من القواعد الأساسية في ذلك.