كراهية أحكام الإسلام من أكبر نواقض الإيمان
في عدد سابق، تحدثت عن جزء من ناقض من نواقض الايمان وهو كراهيةُ الاسلام وكراهيةُ شيء من أحكامه وبيَّنت أنه ليس من المنطقي ولا من المعقول شرعا ولا عقلا أن يكون الانسان مُبغضا لهذا الدين أو ُمبغضا لأحكام هذا الدين، ومع ذلك يزعُم أنه من أهله ومن أحبابه ومن أنصاره.
إن هذا تضاربٌ فاضح، وتناقض صارخ، لا يمكن أن يُقبَل من أحد. فالذي يكون من أهل هذا الدين لا بد أن يحبه حبًّا عارما، وألا يكون له على الدين أيُّ تحفظ، وألا يكون له أي استثناء لأيِّ حكم من أحكام الشريعة الاسلامية، وبذلك يكون قوله بأنه من أحباب الدين وأنصاره قولا منطقيا.
من مظاهر الكراهية للإسلام:
• اعتبار الفتح الإسلامي حركة استعمارية:
إن الذين رأوا أن الاسلام حركة استعمارية هجمت على البلاد، وأفقدتها كيانها، هؤلاء لا يميزون بين الفتح الإسلامي والاستعمار، فهؤلاء ماردون مارقون لاشك في ذلك، الذين يرون أن الاسلام.. هو مثل الحملات الاستعمارية التي غزت البلاد يبحثون الآن عن الهوية بعد هذه المدة المتطاولة.
غريب جدا أن يكون الانسان في هذا الوقت بعد خمسة عشر قرنا يقول : نحن نبحث عن الهوية؟؟ وعن الكيان؟؟ وعن الأصالة؟؟ ومن نحن؟ إذن بعد خمسة عشر قرنا تبحث أنت عَمَّنْ أنت؟ فهذا غريب جدا، وماذا كُنتَ خلال القرون الماضية؟! ومن أين جاءك التشكك؟؟
هذا إنكار للطابع الاسلامي الذي طبعنا عليه، نحن المسلمين لانطرح هذا السؤال من أنا؟!، أي من كان الآن ضائعا، تائها، فذلك الأمر يعنيه هو، من كان يشهد على نفسه بأنه لا هوية له، ولا عنوان له، وهو الآن ينبش في التاريخ وينبش في الأساطير القديمة ليستخرج منها الشخصية المغربية، أو الشخصية الفرعونية، أو الأمازيغية، أو الطرانية نقول لهذا : ” هذا الأمر يعنيك أنت”.
نحن أخذنا عنواننا وطابعنا، ونحن نعرف جيدا موقعنا، ونعرف جيدا انتماءنا، فنحن منتمون إلى أمة محمد ، ونحن بذلك معتزون فخورون ومتشرفون بهذا الانتماء. فمن كان يريد غير هذا الأمر فهذا الانسان مارق من الدين، وعليه أن يقبل هذه النتيجة، عليه أيضا أن يقبل بأنه مارق من الدين، وألا يفرض نفسه على الدين فرضا بمجرد الادِّعاء الكاذب، لأن الإسلام قول وعمل واعتقاد واعتزاز بالانتماء إليه.
إذا كنت ترى أن الاسلام جاء ليجتثك، وليستأصلك، وليأخذ ثقافتك، وليأخذ كذا وكذا فهذا شأنك لأن ثقافتنا نحن المسلمين هي الثقافة الإسلامية، أما الثقافة التي يريدون احياءها لتعوض الثقافة الإسلامية.
فهي عبارة عن تراكمات من حالات الاستعمار القديمة : نحن عرفنا الفينيقيين، وعرفنا الوندال، وعرفنا البيزنطييين، وعرفنا شعوبا كثيرة، ولا شك أن هذه الشعوب كلها انصهرت فينا، وانصهرنا فيها وأعطتنا مُثلها، وقيمها، وأفكارها، وأفهامها، واندمجت فينا، واندمجنا فيها، فترسَّبَ كل ذلك في كيان المغرب القديم، فيما قبل الاسلام، ومع ذلك التاريخ الحافل بالتطورات، فكل ذلك نحن الآن لاصلة لنا به، نحن لا نعتز بثقافة أبي جهل سواء كانت في المغرب أو كانت في جزيرة العرب.
الجاهلية جاهلية واحدة ونحن ولله الحمد لا نجد مركَّبًا، ولا نجدعقدة في هذا الباب فكيفما كان أصلنا فالإسلام هو شرفنا.
إن كراهية الاسلام، والقولَ بأنه حركة استعمارية، وإن كراهية أحكام الشريعة الاسلامية وما إلى ذلك، كل ذلك يصب في هذا المصب الذي هوا نسلاخ الانسان من الايمان، إنه انسلاخ منطقيٌّ بلا حزازات، ونحن لا نتهجم على أحد، ولكن -منطقياً- الذي يرفض الاسلام هو من ليس من أهله وكفى، ومن كان يريد أن يتحرر خارج الاسلام فليتحرر إن شاء، وليبحث له عن دين غير الاسلام، وليبحث له عن قيم غير الاسلام، وليبحث في تراثه وفي لهجاته وفيما أشبه ذلك من الكلمات التي لا يمكن أن تفيد إلا تدهورا واضطرابا لهذه الأمة التي هي الآن مضطربة، وليست في حاجة إلى اضطرابات أكثر، ولكن على كل حال، هذا الأمر يمضي فيه أهله وأصحابه، وسيرَوْن النتيجة عاجلا أم آجلا.
على كل، إن كراهية الاسلام، وكراهية بعض أحكامه كُلُّ ذلك مما يفرض على الإنسان أن يعاود نظره إلى هذه القضية إن كان حريصا على أن يبقى مسلما.
• كراهية الصحابة وكل رموز الإسلام:
كذلك كل الرموز التي تشير إلى وجود الاسلام وحضوره في حياة المسلمين فإن كراهيتها وبغضها هو جزء من بغض الاسلام.
لماذا كان النبي يذكر عن أصحابه أنهم لا يحبهم إلا مومن ولا يكرههم إلا منافق لماذا؟ لأنهم لم يُكرهوا لأنهم عرب ولم يُكرهوا لأنهم فلان وفلان، كَرِههم الكارهون لأنهم انتصروا لهذا الاسلام وحملوه، فكأن الانسان المنافق يحمِّل الصحابة تبعة مجيء هذا الاسلام، كأن الانسان يقول للصحابة : أيها الصحابة لولا أنتم لاسترَحْنا من الاسلام، أنتم الذين أتيتم بهذا الاسلام، أنتم الذين ضحَّيتم لهذا الاسلام، إذن أنتم سبب الكارثة، أنتم سبب المشكلة، فكراهية الصحابة ليس لأنهم زيد أو عمر من الناس، وإنما كراهيتهم للدَّور الذي قاموا به وهو أنهم حَمَلُوا الاسلام إلينا، فكاره الاسلام كارهٌ لحامل الاسلام، فمن كان يكره الاسلام فربما لا تكون له الشجاعة الكافية لأن يقول بأنه يكره الاسلام لكنه يرى أن الصحابة تحمَّلوا عبئا كبيرا، وعملا كبيراً في هذا، فهو يكره الصحابة، فكراهية الصحابة وإضمار البُغْض لهم، والحقدُ عليهم ليس ذلك له من تفسير إلاَّ لأنهم كانوا حملة الاسلام، إذن كراهية الصحابة وهم رموز بالنسبة للاسلام هي كراهية مغلفة للإسلام.
عندنا رموز كثيرة : المسجد الآن رمز من رموز الاسلام، هذه المساجد الآن تجمع هذا العدد الحاشد مثلا في مناسبات كثيرة وبالأخص في الصلوات الراتبة، تجمع الآلاف من الشباب، ويستعيدون وعيهم، ويفكرون تفكيرا، جديدا ويطرحون مشاكل حياتهم في ضوء الاسلام، فالآن الذي يريد أن تنتهج هذه الأمة انتهاجا غريبا، والذي يريد أن ينْحو بهذه الأمة منحىً آخر أيعجبه أن يلتقي المسلمون في المسجد؟ أيُعجبه أن تمتلئ المساجد؟! أيُعجبه أن تكون المساجد بيوت علم وعبادة وتوجيه وارشاد؟! إذن فالمسجد أصبح الآن مشكلة عند بعض المنافقين. كلما بني مسجد من المساجد ثارت ثائرتهم وزمجروا وانتصبوا على أنهم مصلحون اجتماعيون، وأنهم يدافعون عن الأمة، وأن المسجد فيه مضيعة للمال، وأن هذه المساجد كان أولى أن تُبْنَى مصانع ومعامل، وكذا وكذا.
هؤلاء المنافقون جبناء، الذين يقولون هذا -كيفما كانوا- منافقون جبناء، لماذا؟
لأن أشياء كثيرة تمت في حياة هذه الأمة، وانحرافاتٍ كثيرةً تمَّت في حياة هذه الأمة، وهؤلاء الناس كانوا ساكتين، لا أحد من المثقفين والمصلحين قال يا عباد الله يكفينا من المقاهي. المقاهي قتل للوقت، وقتلُ الوقت هو قتلٌ للانسان، لماذا لم يتحدث هؤلاء؟
لماذا حين توضع الأموال الكثيرة في برامج تافهة لا قيمة لها، وفي مشاريع خاوية لا مردودية لها. لماذا نحن الآن لا نقوِّمُ ماذا حصلته أمتنا في الاتجاه نحو دعم الرياضة. الرياضة لها جيش عرمرم من الناس الذين لا شغل لهم تقريبا : جيش عرمرم من المدربين ومن معاهد التكوين وكذا وكذا من الملاعب ومِنْ… ماذا يفعلون؟ وما مردودية عملهم؟! وما الميزانية التي تصرف لهم؟!
على كل حال، نحن لا نهوّن من قيمة الرياضة، ولكن ليس إلى الدرجة التي تصل الرياضة على رأس المشاريع وعلى رأس الاهتمامات. وتُهمل المجالات الحيوية، لما ياتي الناس إلى الجامع يتفكروا في المعامل والمصانع ويصبحوا مصلحين ويبكوا على الناس : أعباد الله الشباب عاطل وماذا نفعل بالمسجد؟
هذا تقليل لدور المسجد، تقليل لأهمية المسجد، المصانع يمكن أن تنجز، والمصانع لا يوقفها بناء المسجد، المسجد ليس هو الذي يوقف بناء المصنع، المصنع له شروط أخرى اقتصادية، له أشياء يجب الاستمتاع بها : يجب أن يستمتع بتخفيف ضريبيّ، يجب أن تُنْفى عنه المنافسة. هناك أناس مستعدّون لبناء عشرات المصانع ولكن يجب أن يكون لهم ضمان ترويجيٌّ لسلعهم.
على كل حال، إن هؤلاء الناس يسيرون في نفس المسار الذي يسير فيه المستشرقون وأعداء الدين الذين كان أحد الكتاب المعروفين قديما يرسم صورةالمئذنة ويكتب تحتها :”ما لهذا الصاروخ لا ينطلق” : أي الأوروبيون عندهم صاروخ ينطلق، ونحن عندنا المئذنة لا تنطلق، هل هناك عبث واستهزاء بالدين مثل هذا؟
إذن منظر المسجد يزعجهم.
نحن نحب المسجد، ويجب أن ينتشر، وبكل الصور وليكن متوسطا، وليكن جميلا، وليكن أنيقا، ومادام هذا الأمر يزعج المنافقين فهو أمر ممتاز وجيِّد، والذي له رغبة في المصنع فليعمله : “كُـلُّ يعمل على شاكلته”
أما الأموال التي أضيعت في الشواطيء فلا أحد يتكلم عنها مع أنها تكفي لبناء مُدُن فخمة، وتشغيل طاقات عاطلة.
ولا أحد قال : “يا عباد الله، هذه أموال ضاعت”. وعندما يأتون المسجد يفكرون في الاقتصاد. إن كل شيء يرمز إلى وجود الاسلام فللمنافقين وللكفرة منه موقف، كل شيء يثبت حضور الاسلام فالكفرة يكرهونه، ونحن يجب ألا تنطلي علينا هذه الخدعة، ويجب أن نكون أذكياء لا مغفلين.