قال تعالى : {إن لدينا أنكالا وجحيما، وطعاما ذا غصة وعذابا اليما، يوم ترجف الارض والجبال، وكانت الجبال كثيبا مهيلا}(المزمل : 12- 13- 14).
ما أسوأ حال أهل النار يوم القيامة {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} وما أشده من عذاب، له أشكال وألوان. تشير هذه الآية إلى نوعين منها :
الأول : الأنكال {إن لدينا أنكالا} والأنكال : القيود تجعل في الأرجل فتمنع الإنسان من الحركة، وقد نقل عن الشعبي أنه قال >أترون الله جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا؟! لا والله، ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استفلت بهم<!.
ومع الأنكال في الأرجل الأغلالُ في الأيدي، قال تعالى : {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا} وقال سبحانه : {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون} قال الحسن رحمه الله {إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب سبحانه، ولكن إذلالا< فتصور -أخي- هذه الحال الرهيبة، وتخيل هذا المنظر المفزع! نسأل الله العافية.
الثاني : طعام هؤلاء القوم، إنه طعام لا يستساغ.. “وطعاما ذا غصة”.. طعام ينشب بالحلق، -كما قال ابن عباس- فلا يدخل ولا يخرج!!! إنه الغسلين {فليس له اليوم هاهنا حميم، ولا طعام إلا من غسلين، لا ياكله إلا الخاطئون} قال عكرمة -فيما نقله ابن كثير- الغسلين : صديد أهل النار، والدم والماء يسيل من لحومهم< وقال قتادة >هو شر طعام، أهل النار<! وإنه الضريع.. {ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع} طعام لا يغني ولا يفيد، بل عذاب وعقاب، قال القرطبي : قال عكرمة ومجاهد : الضريع نبتٌ ذو شوك لاصق بالأرض.. لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه، وهو سم قاتل، وهو أخبث الطعام وأشنعه! وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون، ويتضرعون منه إلى الله تعالى طلبا للخلاص<، وقال غير واحد : هو شيء يكون في النار أشد مرارة من الصِّبر، وأنتن من الجيفة، وأحر من النار!!
وإنه الزقوم قال تعالى : {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل تغلي في البطون كغلي الحميم} إنه الشجرة الملعونة، إذا جاعوا التجأوا إليها، فغليت في بطونهم كما يغلي الماء الحار، وكأنما صار إلى بطونهم النحاس المذاب الشديد الحرارة وليس الطعام! {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم؟ إنا جعلناها فتنة للظالمين، إ نها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين، فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون} عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله تلا هذه الآية وقال : >اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه<(أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح)، نعم، كيف بمن يكون ذلك طعامه؟ يتضور جوعا فلا يجد غيره، فإذا أكله علق بحلقه، فإذا نزل إلى بطنه غلي في أمعائه.. فاللهم رحماك!
عن خليد بن حسان قال : أمسى الحسن عندنا صائما، فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية {إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما} فقال : ارفع طعامك، فلما كان الثانية، أتيتهبطعام فعرضت له هذه الآية، فقال : ارفعواه ومثله، في الثالثة، فانطلق ابنه إلى ثابت البناني، ويزيد الضبي، ويحيى البكاء فحدثهم فجاءوه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق<(1).
هكذا كانوا، فهل نكون مثلهم، ونسير على خطاهم؟
نسأل الله تعالى التوفيق.
————–
1- الجامع لأحكا م القرآن 47/19.