عاد من المسجد بعد صلاة الصبح.. توقظ الأم صغيريهما للمدرسة.. يبكي الطفلان ويصران على استئناف النوم.. تصرخ الأم في عصبية:” سأتأخر عن عملي!”.. يتدخل الأب لإيقاظهما… يرفضان تناول الفطور.. يسعل الطفل الأصغر بحدة… يصاب الأبوان بالحيرة والعجز عن تحبيب المدرسة لصغيريهما… !
تخرج ابنتهما الكبرى إلى مدرستها الثانوية.. يخيفها الظلام.. تغمغم ضجرة:” سيفوتني وقت المدرسة! ”
أصر على مرافقتها.. في الشارع ينشب عراك قوي بين السكارى.. يتراشقون بالحجارة والزجاج.. أصيبت الفتاة بالهلع وعادت تهرول باكية نحو البيت يتبعها الأب.. تصرخ في هستيريا:” آه سأتغيب عن درس هام في الحصة الأولى!”
خرج مهرولا إلى عمله.. أفلت من السكارى مرة أخرى.. حشر نفسه في سيارة أجرة هرمة.. ولج محطة القطار.. ذهل حين أُخبر في الشباك أن رحلة قطاره المعتاد انطلقت قبل ساعة.. وأن مواعيد القطار لم يحدث عليها أي تغيير.. وقف حائرا يتساءل بمرارة: كيف أتنقل إلى عملي كل يوم؟! فالقطار الأول ينطلق ليلا قبل الفجر، وموعد القطار الثاني بعد حوالي ساعتين.. وإذا استأنفت تنقلي عبر القطار الأول، سيكون علي أن أقضي أكثر من ساعتين في الشارع في انتظار فتح مقر عملي…وعند العودة، سيفوتني القطار بحوالي ساعة قبل خروجي من عملي، وعلي أن أنتظر القطار الثاني حوالي ساعتين أيضا.. فما العمل..؟!
هرولت الأم بطفليها وهما يبكيان نحو مدرستهما.. كان الطريق مظلما موحلا بعد هطول المطر.. ذهلت حين وجدت الآباء يحتجون.. المدرسة ما تزال مغلقة والمربية المكلفة بالأطفال إلى حين فتح المدرسة لم تلتحق بعد… حضرت المديرة معتذرة:” تعرضت المربية للسرقة والعنف في الطريق… !”
انقلب حال الأسرة رأسا على عقب.. فقدت استقرارها.. تضاعفت مصاريفها، ففي الأيام المطيرة، يبيت الأب في فندق.. ومدرسة الطفلين أضافت مصاريف خاصة بإيوائهما قبل الدخول وبعد خروجهما في انتظار الوالدين.. تدهور المستوى الدراسي والصحي للبنت.. تدهورت صحة الطفلين.. ويستمر بكاؤهما كل صباح وهما في طريقهما إلى مدرستهما… وتستمر معاناة الأسرة كلها… !