ديباجة :
إن قضية التربية والتعليم هي القضية الأساس في حياة الأمة، وأنه بمقدار العناية باصلاحهما وحسن توجيههما يتحقق لها -باذن الله- ما تنشده من خير وتنمية وما تصبو إليه من تقدم وازدهار وكرامة..
ومن هذا المنطلق فقد أنشأ جلالة الحسن الثاني رحمه الله لجنة ملكية للنظر في موضوع إصلاح التعليم بتطويره وتحديثه وجعله مستجيبا لحاجيات الأمة، وليكون في مستوى ما يعرفه العالم من نظم تعليمية راقية ومتقدمة مع الحفاظ على ما للأمة من هوية متميزة وقيم روحية وأخلاقية وثوابت دينية ووطنية ومثل ثقافية وحضارية..
ولقد عملت اللجنة الملكية -مشكورة- على تنفيذ ما كلفت به ثم بلورته فيما سمته بـ”مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين”.
ولما كان العلماء هم ورثة الأنبياء وقد أخذ الله عليهم ميثاق البيان وعدم الكتمان فقد قررت جمعية قدماء التعليم الأصيل بفاس أن تنظم يوما دراسيا لذلك المشروع بتاريخ 30 شوال 1420 موافق .2000/2/6 يتدارس فيه العلماء المتخصصون في العلوم الشرعية والدراسات الاسلامية من مختلف الجامعات وجمعيات العلماء بالمغرب… مختلف جوانب المشروع شاهدين عليه ومقومين له ناصحين بالتي هي أحسن للتي هي أقوم إن شاء الله عز وجل.
وفعلا فقد عقد ذلكم اليوم الدراسي حيث صادق المجتمعون في جلسته الختامية على نص هذا البيان المتضمن :
أولا- ملاحظات أساسية على المشروع :
إن المجتمعين في هذا اليوم الدراسي إذ يثمنون باعتزاز ما سجله “مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين” من مبادئ أساسية ومرتكزات ثابتة.. وخطوات رائدة.. ونتائج إيجابية.. في مجال اصلاح التعليم بصفة عامة، فانهم يلاحظون عليه ما يلي :
-1 عدم انعكاس المبادئ الأساسية والمرتكزات الثابتة التي سجلها المشروع نفسه -كهوية للأمة- على مختلف أنواع التعليم العام والمهني وخاصة من الاعدادي الى التعليم العالي.
-2 عدم التنصيص الصريح -في المرتكزات الثابتة- على ضرورة العمل على جعل اللغة العربية هي لغة التدريس وتعليم مختلف المواد وفي جميع المستويات.
-3 ادراج تعليم اللغة الاجنبية الأولى ابتداءً من السنة الثانية من السلك الأول للمدرسة الابتدائية.. وادراج تعليم اللغة الأجنبية الثانية ابتداءً من السنة الخامسة من المدرسة الابتدائية (كما يوخذ من الفقرة “ب” من المادة : .61 ومن الفقرة الثانية والثالثة من المادة : 117 من المشروع).. ولا يخفى ما في هذا من مزاحمة لتعليم اللغة العربية التي هي اللغة الأم وارهاق للطفل في فترة جد مبكرة.. قد لا يتأتى له فيها اتقان لغتين -بله ثلاث لغات- دفعة واحدة…
-4 إجمال ما يتعلق بالتعليم الأصيل اجمالاً بالغاً حيث لم يتجاوز الحديث عنه سبعة أسطر مما أفضى إلى اهمال الحديث عن أهدافه ووسائله.. واعطاء تصور واضح المعالم والصدى عن هيكلته.. بله الحديث عن الدور الفعال لخريجيه في مختلف مجالات التنمية.. (انظر المادة 88 من المشروع).
-5 سلب الصفة الجامعية عن التعليم العالي بجامعة القرويين (كما قد يوخذ من الفقرة الأخيرة من المادة 88 من المشروع مع المقارنة بالمادة 77 منه).
-6 عدم وضوح الحكمة من احداث دراسات اسلامية عليا ينتهي اليها التعليم الأصيل مع وجود الكليات التابعة لجامعة القرويين وشعب الدراسات الاسلامية بكليات الآداب والعلوم الإنسانية.. ومع عدم اخفاء الصفة الجامعية على تلكم الدراسات المستحدثة، حيث إن المشروع جعلها مجردة عن شهادة الدكتوراه في مرحلته النهائىة (كما يوخذ ذلك بوضوح من المقارنة بين هرم التعليم الجامعي الذي ينتهي إليه التعليم الثانوي العام، وهرم الدراسات الاسلامية الذي ينتهي إليه التعليم الثانوي الأصيل، انظر ص 30 من المشروع تحت عنوان : “الهيكلة الجديدة لنظام التربية والتكوين”).
-7 غموض في موقع شعب الدراسات الاسلامية التابعة -حاليا- لكليات الآداب والعلوم الانسانية من المشروع، إذ أنه اطلق اسمها على المرحلة التي ينتهي إليها التعليم الثانوي الأصيل.. مما يجعل الأمر مشتبها في تبعية احداهما للأخرى مستقبلا (انظر ص 30 من المشروع).
-8 عدم ادراج التكوين الشرعي ضمن المكونات الاساسية في الجذع المشترك من المرحلة الثانوية -بشقيها العام والتقني- الى التعليم الجامعي (كما تقضي ذلك الفقرة : “أ” من المادة 76 من المشروع، ومن المادة 80 في شرطها الأول منه) مع أن التكوين المستمر في المادة الاسلامية من الضرورات التي لا غنى عنها لكل مسلم وخاصة بالنسبة للتلميذ الذي سيصبح طالبا يتابع دراسته الجامعية التخصصية باحدى الكليات بجامعة القرويين أو باحدى شعب الدراسات الاسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية..
ثانيا- توصيات لتعديل المشروع:
وبناء على الملاحظات السابقة فإن المجتمعين يرون ضرورة أن تدخل على “مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين” التعديلات التالية :
-1 ادراج المادة الاسلامية -بكل مكوناتها- ضمن مناهج التعليم في مختلف مستوياته وجميع أنواعه -عاما كان أو مهنيا- وذلك قصد جعل الثقافة الاسلامية قاسما مشتركا بين جميع أفراد الأمة وعاملا قويا في استمرار ما بينهم من وحدة وتحصينهم من مخاطر الانحراف وحفظهم في هويتهم الاسلامية المغربية العربية.. ونظامهم الوطني.
-2 التنصيص الصريح في المرتكزات الثابتة على ضرورة العمل على جعل اللغة العربية هي لغة التدريس وتعليم مختلف المواد في جميع المستويات الدراسية.. وذلك باحداث الفقرة التالية في المكان المناسب من تلكم المرتكزات وهي :
“إن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمملكة المغربية -كما ينص على ذلك دستورها- مما يقتضي الحرص على جعلها لغة التعليم في جميع المراحل ومختلف التخصصات- وباعتبارها لغة حية قادرة على استيعاب العلوم والمعارف الأصيلة والعصرية والرياضية والتقنية،.. يجب تكوين الاطر القادرة على التعبير بها، واعادة تكوين الاطر التي لا تتقنها..”.
-3 تأخير ادراج تعليم اللغة الاجنبية الأولى الى بداية السلك الثاني من التعليم الابتدائي، وتأخير تعليم اللغة الاجنبية الثانية الى بداية التعليم الاعدادي.. مما يقتضي أن تصبح الفقرة الثانية والثالثة من المشروع في المادة 117 منه هكذا :
“- يدرج تعليم اللغة الاجنبية الأولى في بداية السلك الثاني من المدرسة الابتدائية مع التركيز على الاستئناس بالسمع والنطق”.
“- يدرج تعليم اللغة الاجنبية الثانية ابتداءً من السنة الأولى من التعليم الاعدادي مع التركيز على الاستئناس بالسمع والنطق…”.
-4 تفصيل الحديث عن الأهداف المختلفة للتعليم الأصيل بما يبرز ضرورته الحتمية في حياة الأمة الاسلامية.. وخاصة في ظروفها المعاصرة حيث تتقادفها الأفكار المنحرفة والمبادئ الدخيلة والانظمة المستوردة والموجات الالحادية.. مما يجعل مسؤولية الانقاذ والأمل في الاصلاح على يد خريجي التعليم بما يقدمونه من توجيه سديد واقناع حكيم ورأي رشيد..
كما أنه مطلوب من الميثاق أن يفصل القول في وظائف خريجي هذا النوع من التعليم في التربية والتكوين والتوعية والانتاج الفكري والبحوث العلمية وفي التأطير والمهام العملية.. بما يبرز ارتباطه الوثيق بمحيطه الاقتصادي والاجتماعي ومساهمته الفعالة في تنمية الأمة والحفاظ على ما لها من هوية..
-5 رفع ما قد يوهمه المشروع من تشكيك في الصفة الجامعية للتعليم العالي الأصيل بجامعة القرويين -التي لها هذه الصفة بقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم : .102 .75 1 بتاريخ 13 صفر 1365 (25 يبراير 1975) المتعلق بتنظيم الجامعات.. وهذا يقتضي أن تصبح الفقرة الأخيرة من المادة 88 من المشروع، هكذا :
“تمد جسور بين الجامعات المغربية ومؤسسات التعليم الجامعي الأصيل وشعب التعليم الجامعي ذات الصلة، على أساس التنسيق والشراكة والتعاون بين تلك المؤسسات الجامعية”.
-6 7 – جعل المرحلة الثانوية من التعليم الأصيل تنتهي بالتعليم الجامعي في احدى الكليات التابعة لجامعة القرويين -التي تجسد فيها التعليم الأصيل عبر التاريخ- أو باحدى شعب الدراسات الاسلامية بكليات الآداب والعلوم الإنسانية- باعتبار أن ما أحدثه المشروع من دراسات عليا للتعليم الأصيل.. هو من صميم اهتمامات تلكم الكليات.. مما يقتضي التنصيص في المشروع على :
“ينتهي التعليم الثانوي الأصيل بالانخراط في :
أ- التعليم الجامعي الأصيل باحدى الكليات التابعة لجامعة القرويين.. أو
ب- مختلف شعب كليات الآداب والعلوم الانسانية.
ج- احدى الكليات أو المعاهد أو المؤسسات الجامعية المناسبة..”.
-8 التنصيص في الفقرة “أ” من المادة 76 على “التكوين الشرعي” وذلك لأن هذه الفقرة تتعلق بالجذع المشترك الذي يهدف الى التكوين العام لجميع التلاميذ الملتحقين بالمرحلة الثانوية.. وتأهيل من سيصبح منهم -بعد البكالوريا- طالبا جامعيا باحدى كليات القرويين أو باحدى شعب الدراسات الاسلامية التابعة لكليات الآداب والعلوم الانسانية.. مما يقتضي تكوينا مستمراً في المواد الشرعية في الجذع المشترك في المرحلة الثانوية الى المرحلة الجامعية خاصة منها الكليات والشعب المتخصصة..
وباحداث التعديل المنشود في الفقرة المذكرة فانها تصبح على هذا المنوال :
“-76 يتسم سلك التعليم العام بما يلي:
أ- يرمي هذا السلك -اضافة الى الأهداف العامة للجدع المشترك المذكور في المادة 73 اعلاه- إلى تزويد المتعلمين ذوي المؤهلات الضرورية بتكوين شرعي وعلمي وأدبي واقتصادي واجتماعي يؤهلهم لمتابعة دراسات جامعية باكبرقدر ممكن من حظوظ النجاح…”
وانسجاماً مع ما ذكر فانهم يقترحون تعديل الفقرة الأولى من المادة 80 كما يلي :
“تستجيب الدراسات الجامعية للشروط التالية :
- تلبية الحاجات الدقيقة وذات الأولوية في مجال الثقافة الشرعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية..الخ”.
ثالثا- توصيات عامة لها علاقة بالمشروع :
وبمناسبة هذا اليوم الدراسي لـ: “مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين” فإن المجتمعين يوصون بما يلي :
-1 دعم المواد الاسلامية في برنامج التعليم العام والمهني برفع حصتها ومعاملها وجعلها في خانة المواد المهمة.. باعتبار أن المعامل من معايير التوجيه وعناية الطالب والتلميذ بما ارتفع معامله من المواد الدراسية..
-2 تأمين الطمانينة والاستقرار لتلاميذ التعليم الأصيل وطلبة مختلف الدراسات الشرعية بفتح آفاق المستقبل أمامهم ومد المحتاجين منهم بالمنح الكفيلة بمساعدتهم على متابعة دراستهم.. مع تشجيع البحث العلمي بهذا النوع من التعليم بما يكشف عن مواهب اصحابه ويعمل على تفتحها ويدفع بهم الى توظيفها في مختلف مجالات البحث والابداع والتنمية..
-3 تعميم الكليات الثلاث التابعة لجامعة القرويين بمختلف المدن والأقاليم ذات الكثافة السكانية.. مع العمل على احداث كليات تابعة لها في الاقتصاد الاسلامي والطب والصيدلة والهندسة.. وغيرها من المجالات العلمية المتخصصة.. وقبل ذلك العمل على احياء روافد التعليم الأصيل بكثافة حتى يتأتى له أن يمد بالفعاليات المناسبة.
-4 المعادلة ومد الجسور بين مختلف مستويات التعليم العتيق الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، وبين شهادات ومستويات التعليم الأصيل وخاصة بين الشهادة العالمية وشهادة الاجازة مادام كلا هذين التعليمين يقومان على ثقافة شرعية متجانسة وواحدة في مكوناتها الأساسية.. وذلك حتى يستفيد خريجو كل من التعليمين بما يتمتع به خريجو التعليم الآخر من حقوق في مختلف المجالات الوطنية والعملية والعلمية..
-5 جعل التعليم الشرعي سواء في الكليات التابعة لجامعة القرويين أو شعب الدراسات الاسلامية أو الدراسات العتيقة في خدمة محيطه الاقتصادي والاجتماعي.. وذلك عن طريق تمكين المتخرجين منه من ممارسة مختلف الوظائف المنسجمة مع ثقافتهم وتخصصاتهم كالتدريس للمواد اللغوية والشرعية والقانونية وتولي القضاء والمحاماة والتوثيق والعدالة.. وكذا ممارسة أعمال السلطة والتوظيف في المؤسسات المالية وادارات التسجيل والمحافظات العقارية.. والقيام بمهام الوعظ والارشاد وخطبة العيدين والجمعة وإفتاء الناس فيما ينزل بهم من قضايا شرعية.. وتولي مختلف المناصب الادارية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية.. الى غير ذلك من الوظائف والمهام التي تجعل التعليم الشرعي -بصفة عامة- مساهماً مساهمة فعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. للأمة ومد الجسور بين خريجيه وبين مختلف الوزارات والدوائر والادارات الحكومية.
-6 العمل على عقد مناظرة وطنية يحضرها العلماء والفعاليات المتخصصة لوضع استراتيجية رصينة تبلور ما للتعليم القائم على الدراسات الشرعية -بصفة عامة- من أهمية في حياة الأمة الاسلامية وماله من أهداف سامية، ووظائف خطيرة، ووسائل تكوينية متميزة، وعوامل مدعمة وصفة تخصصية دقيقة.. وما يلزم فيه من مراحل تكوينية. ومواد دراسية، ووسائل تعليمية، وكتب دراسية وطرق بيداغوجية.. وشهادات علمية.. وآفاق عملية.. وذلك حتى يتم اصلاح هذا النوع من التعليم اصلاحاً حقيقيا مفصلاً، ويجعله جامعاً بين الأصالة والمعاصرة في توازن تام لا يطغى فيه المادي على المعنوي، ولا الدخيل على الأصيل.. ويجعله عاملا على الحفاظ على ما للأمة من هوية متميزة وقيم روحية وأخلاقية وثوابت دينية ووطنية ومثل ثقافية وحضارية..
-7 نظرا لما يكتنف المشروع من ملاحظات وما هو في حاجة إليه من دراسات رصينة من طرف جميع الفعاليات المعنية.. وما يلزم لذلك من زمن متسع فإن المجتمعين يطالبون بارجاء عرضه على البرلمان -بغرفتيه- إلى ما بعد ادخال الاصلاحات الضرورية عليه.. مما يقتضي إرجاء تطبيقه إلى حلول الموسم الدراسي : -2001 .2002
-8 حيث إن المرجعية الاسلامية ضرورة شرعية في كل تشريعاتنا -كما يقضي بذلك دستور المملكة- فإن المجتمعين يطالبون كل الفعاليات التي ستراجع المشروع وتعمل على تقويمه أن تقوم بعملها على أساس من مقتضيات الشريعة الاسلامية وطبيعة المجتمع المغربي ومقوماته الأساسية…
-9 ولنفس الحيثيات المذكورة في التوصية الثامنة فإن المجتمعين يطالبون باحداث مجلس أعلى لهيئة العلماء تعرض عليه مختلف المشاريع القانونية للنظر فيها من الناحية الشرعية.
-10 حيث إن الطاقة المالية للأغلبية الساحقة من المغاربة لا تمكنها من أداء أي تعويض عن التعليم والدراسة في مختلف المستويات ومختلف التخصصات فإن المجتمعين يشجبون مبدأ الرسوم الدراسية التي ينص عليها المشروع ويطالبون باحترام مجانية التعليم.. ومبدأ التعليم للجميع..
وصدق الله العظيم القائل في محكم التنزيل : ((إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب))(هود : 88).