إلى الذين يستهينون بالعربية : العـربية بعُيـون غـربية(2)


نقل “دوزي” عن صاحب كتاب “ألوس موزار ابيس دوطوليدة” (عرب طليطلة) ” أن العربية ظلت أداة الثقافة والفكر في إسبانيا إلى عام 1570 . ففي ناحية بلنسية استعملت بعض القرى اللغة العربية لغة لها إلى أوائل القرن التاسع عشر. وقد جمع أحد أساتذة كلية مدريد 1151 عقدا في موضوع البيوع محررا بالعربية، كنموذج للعقود التي كان الإسبان يستعملونها في الأندلس.

ولم يفت المؤرخ “فبادرو” الذي كتب منذ نحو القرن “تاريخ العرب في إسبانيا”، أن ينوه بثراء اللغة العربية الخارق، وشاعرية العرب الفياضة، حتى أن معظم سكان شلب -وهي اليوم جنة البرتغال- كانوا شعراء في نظر القزويني، بل يؤكد “دوزي” أنهم كلهم كانوا شعراء.

ويصف “فيكتور بيرار” اللغة العربية، في القرن الرابع الهجري، >بأنها أغنى، وأبسط، وأقوى، وأرق، وأمتن وأكثر اللغات الإنسانية مرونة وروعة. فهي كنز يزخر بالمفاتن،ويفيض بسحر الخيال، وعجيب المجاز، رقيق الحاشية مهذب الجوانب، رائع التصوير. وأعجب ما في الأمر أن البدو كانوا هم سدنة هذه الذخائر، وجهابذة النثر العربي جبلة وطبعا. ومنهم استمد كل الشعراء ثراءهم اللغوي وعبقريتهم في القريض.

ويقول (جورج ريفوار) : >إن نفوذ العربية أصبح بعيد المدى، حتى أن جانبا من أروبا الجنوبية أيقن بأن العربية هي الأداة الوحيدة لنقل العلوم والآداب. وأن رجال الكنيسة اضطروا إلى ترجمة مجموعاتهم الدينية إلى العربية لتسهل قراءتها في الكنائس الاسبانية وأن  “جان سيفل”وجد نفسه مضطرا إلى أن يحرر بالعربية معارض الكتب المقدسة ليفهمها الناس. أما في فرنسا فقد أكد  “كوستاف لوبون” في كتابه (حضارة العرب) ص 174 أن للعربية آثارا مهمة في فرنسا نفسها. ولاحظ المؤرخ ” سديو” عن حق أن لهجة ناحيتي ” أوفيرني” و”وليموزان” زاخرة بالألفاظ العربية، وأن الأعلام تتسم في كل مكانبالطابع العربي.

ويقول الأستاذ “فينتجيو” : “صارت العربية لغة دولية للتجارة والعلوم<، واعترف “البارون كارادفوا” مؤلف “مفكرو الاسلام” وهو مسيحي متحمس، بأن الاسلام علم المسيحية منهاجا في التفكير الفلسفي، هو ثمرة عبقرية أبنائه الطبيعية، وأن مفكري الاسلام نظموا لغة الفلسفة الكلامية التي استعملتها المسيحية، فاستطاعت بذلك استكمال عقيدتها جوهرا وتعبيرا. ويتعجب “ارنست رينان” من أمر اللغة العربية فيقول في كتابه (تاريخ اللغات السامية) :  “من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتبلغ درجة الكمال، وسط الصحاري، عند أمة من الرحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها. ولم يعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها، وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعرف شبيها لهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج، وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة، وهذه ظاهرة عجيبة، لا سيما إذا اعتبرنا مدى مساهمة الفلسفة الاسلامية في تكوين علم الكلام، خلال القرون الوسطى، والدور الذي قام به في ذلك كل من ابن سينا وابن رشد، وما كان لهما من تأثير على أشهر “مفكري المسيحية”.

يتبع….

(يتبع000)

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>